عبد المجيد طعام – جريدة البديل السياسي :
إلى روح أبي وأمي رحمهما الله .
كان أبي يحلق بعينيه في السماء الزرقاء الصافية و يقول لي :” لا تنس خذ معطفك ومظلتك سيهطل المطر هذا مساء” “
في بداية الشباب لم أكن أبالي … كنت أكتفي بنظرة خاطفة في الفضاء الشاسع وفي المساء أتحاشى ملاقاة أبي لأنني كنت أعود إلى المنزل وقد ابتلت كل ملابسي ثم أصبحت كلما هممت بالخروج من المنزل أسأل أبي :” هل سيهطل المطر اليوم ؟ هل آخذ معي معطفي ومظلتي ” ….
لم يخطئ أبي أبدا … قررت ذات صباح أن أسأله :” أرجوك أبي كيف تعرف متى سيهطل المطر ومتى سيتوقف ؟” ابتسم وقال لي :” سؤالك هذا انتظرته منذ زمن طويل ولكن رغم تأخره سأجيبك … ياولدي اعرف ذلك بأنفي … أشم رائحة التراب الزكية التي تنقلها الرياح من مكان بعيد … رائحة التراب المبلل بالمطر رائعة وقوية ينقلها الهواء من مكان إلى آخر .”
مات أبي ودفنت معه الكثير من الأسرار .. أنا .. كبرت وتزوجت وأنجبت ثلاثة بنات … كلما هممن بالخروج من الشقة أقول لهن :”احملن معكن معاطفكن ومظلاتكن سيهطل المطر هذا المساء !” لكن … لم يكن يهطل المطر دائما وعندما كن يعدن مساء يلقين معاطفهن ومظلاتهن جانبا ويقلن لي :” لم يهطل المطر يا أبي … مرة أخرى سنتابع أخبار الأحوال الجوية على هواتفنا لنتأكد …لا تزعج نفسك “
لم أعد أراقب السماء ولم أعد أقول لبناني شيئا عن المطر ، التزمت الصمت وأنا أتابع نشرة الأحوال الجوية على التلفاز أحس بالندم لأنني لم أحرص على أن أتعلم من أبي كيف أتكلم مع المطر .
الصورة : والدي ووالدتي رحمهما الله
تعليقات الزوار ( 0 )