الرئيسية كتاب وآراء “ظاهرة اختطاف أطفال القاصرين بالمغرب في زمن كورونا”

“ظاهرة اختطاف أطفال القاصرين بالمغرب في زمن كورونا”

كتبه كتب في 29 سبتمبر 2020 - 6:06 م

"محمد البغدادي باحث في مركز الدكتوراه في تخصص القانون الخاص كلية الحقوق بطنجة":

  إن التطور الهائل والسريع الذي عرفته البشرية كان له تأثيرا مباشرا في تفشي ظاهرة جرائم الاختطاف، فلم يسلم منها الكبار ولا الصغار، فإذا كان الشخص البالغ الراشد له قسط من التجربة جعلته يتفادى فخ الجريمة بنسبة كبيرة فان الطفل الصغير و ببرائته وسماحته جعل منه صيدا سهلا يتفنن الجناة في إيذائه والإيقاع به ومن الأساليب الجبانة التي يستعملها الجناة في ترويع الأطفال هو اختطافهم.
   ومن المعروف أن ظاهرة اختطاف أطفال القاصرين ليست بالحديثة، فهي واقعة قديمة منذ أن خلق الإنسان، فلا يخلو منها مجتمع من المجتمعات، فإذا كان وجود الجريمة في أي مجتمع من المجتمعات حقيقة واقعة، فإن تطور الجريمة حقيقة واقعة أيضا، و مع تنامي هذه الأخيرة أصبح من الضروري إيجاد آليات تحمي الطفل.
  ولا شك أن المغرب حقق تقدما مهما في مجال حقوق الطفل، بفضل جهود متراكمة، على المستويات التشريعية والتنظيمية، التي بذلت لتكريس هذه الحقوق منذ التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل عام 1989، ثم بالانخراط في هذه المنظومة من خلال التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات والبروتوكولات مثل البروتوكول الاختياري الثالث لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإجراء تقديم البلاغات سنة 2013 وهي نفس السنة التي تم التوقيع فيها على ثلاث اتفاقيات لمجلس أوروبا تتعلق على التوالي ب اتفاقية «لانزاروت» الخاصة بحماية الأطفال من الاعتداء والاستغلال الجنسي والاتفاقية المتعلقة بممارسة حقوق الطفل و الاتفاقية بشأن العلاقات الشخصية للطفل.

كما صادقت بلادنا على مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي لها تأثير مباشر على حقوق الطفل، سواء تعلق الأمر بحماية الأطفال من التعذيب والمعاملة القاسية أو حماية العمال المهاجرين التي تضمن حماية لأفراد أسرهم، وحماية الأطفال من الجريمة المنظمة العابرة للحدود، ومن الاتجار بالبشر، والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد الفتاة، تما شيا مع الفقرة الثالثة من الفصل 32 من دستور 2011 الذي ينص بشكل صريح على مايلي:

" تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية".
   كما نجح المغرب في تحقيق تطور تدريجي للآليات من لجن متخصصة إلى قطاعات وزارية معنية بالطفولة.

 كما عمل المغرب على تعزيز آليات التنسيق في مجال تتبع اتفاقية حقوق الطفل والسياسات والمخططات والبرامج الوطنية المنبثقة عنها، من خلال اللجنة الوزارية للطفولة التي عرفت تطورا ما بين سنتي 2005 و2014؛ حيث تمت مأسسة هذه اللجنة الوزارية بمقتضى مرسوم وأصبحت تحمل اسم «اللجنة الوزارية المكلفة بتتبع تنفيذ السياسات والمخططات الوطنية في مجال النهوض بأوضاع الطفولة وحمايتها»، التي يرأسها رئيس الحكومة، وتضم في عضويتها 22 قطاعا وزاريا و3 مؤسسات وطنية، وتقوم بمجموعة من المهام من بينها: تتبع إعمال الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمجال حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب، لاسيما الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والبروتوكولات الملحقة بها و اتخاذ التدابير اللازمة لضمان حسن التنسيق بين مختلف السلطات الحكومية.
ونظرا لخطورة جريمة اختطاف أطفال القاصرين التي ظهرت بشكل كبير في زمن كورونا من خلال قضية قتل طفل عدنان بوشوف بمدينة طنجة الذي تعرض للاغتصاب والقتل ، ثم جرى دفنه على مقربة من بيت العائلة، فقد تعامل معها بنوع من التشدد في التجريم والعقاب، حيث ينص الفصل 471 من مجموعة القانون الجنائي المغربي على ما يلي:" من استعمل العنف أو التهديد أو التدليس لاختطاف قاصر دون الثامنة عشر عاما أو لاستدراجه أو إغرائه أو نقله من الأماكن التي وضع فيها من طرف من له سلطة أو إشراف عليه، سواء فعل ذلك بنفسه أو بواسطة غيره، يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات."
    ويلاحظ من خلال هذا الفصل أن المشرع المغربي جعل من جريمة اختطاف أطفال القاصرين جناية ، وذلك من خلال رفع عقوبة  السجن من 5 إلى 10 سنوات في الحالات التي يتعرض فيها الطفل القاصر المختطف سواء بواسطة العنف أو التهديد أو التدليس أو استدراجه أو إغرائه أو نقله من الأماكن من طرف من له سلطة أو إشراف عليه.
  وبالرجوع إلى مقتضيات الفصول من 471 إلى 478 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، فان السؤال الكبير والعريض الذي يطرح بشدة: هل استطاعت السياسة الجنائية أن تحقق حماية النظام العام والحفاظ على حقوق الضحايا وضمان أمن المجتمع ككل؟ أم أن الأمر يتطلب وجود آليات أخرى إلى جانب الآليات الجنائية من أجل النهوض بأوضاع الطفل وحمايته من أي اعتداء عليه وتوفير له جميع متطلبات ومستلزمات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تماشيا مع اتفاقية نيويورك المتعلقة بالحماية الدولية لحقوق الطفل ؟

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .