الرئيسية كتاب وآراء “طنجة الغالية.. إلى أين مع قرارات المركز”

“طنجة الغالية.. إلى أين مع قرارات المركز”

كتبه كتب في 14 أغسطس 2020 - 3:53 ص

وسيم الشابي، طالب باحث في الإدارة والتنمية – جريدة البديل السياسي:


مدينة طنجة الضاربة في عمق التاريخ، والتي كانت محط أطماع كل الإمبراطوريات والحضارات الغربية والشرقية (الفينيقية، الرومانية، الوندال، البيزنطية، العربية..)، وكل الدول الأمبريالية والرأسمالية..
مدينة طنجة ملكة البحار وملتقى البحرين، التي تتصارع على معانقة شواطئها، منذ التكوين، أمواج البحر الأبيض المتوسط شمالا (مضيق جبل طارق يعتبر منفذ بحري عالمي مهم..)، وأمواج المحيط الأطلسي غربا.. هذه المدينة التي تزخر بكل مواصفات المدينة الميتروبولية.. التي تمزج على أراضيها بين كنوز الآثار التاريخية وثروة اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، بيولوجية…
كان ذلك بالأمس، أما اليوم تعيش المدينة على وقع ارتفاع متواصل في أعداد المرضي بكوفيد- 19، الحالات المحتاجة لأَسِرَّةِ الإنعاش. باتت البنية الصحية عاجزة منذ الآن عن مواجهة تدفق المرضى، كما أن الأطقم الطبية والتمريضية نال منها الإنهاك بعد شهور من الجهد، وانكشف العجز الكبير في التجهيزات الطبية ووسائل الوقاية لحماية المرضي والجهاز الطبي.
احتفلت الحكومة المغربية بانتصارها على المرض في معركة لم تخضها بتاتا، ونشرت الأوهام حول بروتوكول علاجي عجائبي ومارست خداعا تجاه الشعب وكررت الادعاء أن الوضع تحت السيطرة وحرضته على العودة إلى استئناف العمل، فتلاشى الحذر وانتهت الإجراءات الأولية من استعمال الكمامات والتباعد والتنقل بين المناطق وأبقت على عيد الأضحى أكبر مناسبة لتنقل السكان…
نمى خيار الحكومة عن مقامرة محفوفة بالخطر نتج عنه كوارث غير قابلة للتدارك وفيات وازدحام في أسواق الأغنام و حوادث سير مميتة، حيث خلصت هذه الوقائع إلى ارتفاع الإصابات وبتوسع رقعة الانتشار. وسيحل الخريف المرجح أن يشهد بداية الموجة الثانية من الجائحة وستكون المنظومة الصحية في عين الإعصار بقوى منهكة.
الشهور الماضية كانت فرصة ثمينة للتحضير الجيد لمعركة حقيقية ضد الجائحة بتدريب الأطقم الطبية والتمريضية وتعزيزها بحملة توظيف كثيفة وتخزين التجهيزات الضرورية وتوفير بنية الاستقبال ومواجهة الخصاص في كل جهات البلد… وجاء قانون المالية التعديلي ليقر نفس السياسة القائمة على التقشف الليبرالي في تجهيز قطاع الصحة وتعميم التعاقد على توظيف أطره.
خطر الجائحة قائم أكثر من الشهور الماضية ويجب عدم الاستسلام النفسي لمخدر أكاذيب الإعلام الرسمي وما ينشره من تطمينات للحكومة بأن الوضع تحت السيطرة، فلن يترددوا غدا في التهرب من المسؤولية بإلقائها على عاتق الشعب الذي “انتهك قواعد الحيطة والسلامة وعليه أن يتحمل نتائج استهتاره”.
صحيح أن هناك ما هو اجتماعي يجب تداركه اليوم بمدينة طنجة وفي المغرب بكامله، لكن أيضا آن الأوان أن نعيد النظر في مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ونرتب أولوياتنا من جديد، ونعيد كرامة المُدرّس وهَيبة المدرسة، لأننا نعرف كما يعرف الجميع بأن التعليم العمومي، الذي كان يُقذف صباح مساء من القاصي والدّاني بتواطؤ من الجميع، هو مُنقذنا الوحيد من الضّلال ومُنفذنا إلى المُستقبل وليس شيئًا آخر وقاطرة لمواجهة أي جائحة من الممكن أن تظهر في وطننا الغالي مستقبلا.
فالتعليم وسيلة تنتج لنا الطبيب والمهندس والضابط الملازم في الإدارة والشارع أو ذاك الذي يُرابط على الحدود، وينتج لنا الإنسان الملتزم بقضايا بلاده ووطنه، وفق ما تمليه علينا الأخلاق المغربية الأصيلة، وفي نفس الوقت مُنفتح على الثقافات الأخرى المُنتجة للعلوم.
أظهرت الجائحة الحالية الأهمية القصوى للصحة العمومية خصوصا وأن العالم سيعرف توالي موجات انتشار جوائح مرضية من الصنف ذاته، ما يجعل الدفاع عن تقوية الصحة العمومية مسألة نضالية حاسمة لتقوية القطاع الصحي بالمغرب بصفة عامة وفي مدينة طنجة خصوصا التي تعرف تطورا عمراني و اقتصادي يفرض تطوير المقاربات والسياسات العمومية والقطاعية الموجهة صوب هذه المدينة حيت تعتبر مدينة طنجة كنزا وطنيا لا يجب الاستهانة به في بعده التاريخي الأثري، وكذا المحافظة على كل ثرواتها الاقتصادية والطبيعة والتعليمية والصحية، وتأهيل الساكنة بها لأجل الحفاظ على الحياة الطبيعية وأخذ الحيطة والحذر في التعاطي مع الجائحة الحالية بالمدينة.
فأي تقدم يجب أن يكون لا أكثر مما هو عادل، اتجاه البنية التعليمية والصحية والأمنية.
ولتجنب حصول كارثة صحية يجب النضال والتركيز من أجل:
– فرض أقصى شروط الصحة والسلامة في المناطق الصناعية والمعامل خاصة في ظل الجائحة الراهنة وتحميل مسؤولية تنفيذها للمشغل، مع تعزيز صلاحيات العمال في مراقبة تنفيذها الحرفي تشمل أماكن الإنتاج ووسائل نقل العمال.
– التشغيل الفوري لأعداد كبيرة من أطر الطب والتمريض والإسعاف (في إطار الوظيفة العمومية وليس التعاقد قصد تحفيزها للعمل المعطاء)، وتخزين المعدات التقنية الضرورية تهيئا للخريف والشتاء القادمين، مع إعداد البنيات الصحية لاستيعاب تدفق كثيف للمرضي ووضع كل المصحات الخاصة رهن إشارة الصحة العمومية.
وخير ما نختم به هذا المقال أبيات شعرية، للشاعر خالد الصلعي، كعربون محبة لهذه المدينة:
طنجة صفعة،
لكنها تعلمك كيف تشعل شمعة،
هي ذي طنجة السبيل، وطنجة الرحيل،
كيف يسجنون شمسا وقطعة ثلج،
كيف يحرسون تنورا وبجعة،
وطنجة تنزف، تبكي،
تصرخ، ثم تموء كقطة ضائعة،
وتعوي ككلب أجرب،
وتلوح هنالك فوق صومعة،
هلالا يولح بكلتا يديه للقادمين الجدد.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .