الرئيسية كتاب وآراء البحيرة على مرمى  حجر         أريد أن تكون أبقى من وحي في حجر … بقلم ذ.محمادي راسي –

البحيرة على مرمى  حجر         أريد أن تكون أبقى من وحي في حجر … بقلم ذ.محمادي راسي –

كتبه كتب في 6 أغسطس 2020 - 3:27 م

 

بقلم ذ.محمادي راسي – جريدة البديل السياسي :

      البحيرة على مرمى  حجر   

     أريد أن تكون أبقى من وحي في حجر 

&&&&&&&&&&&&&

      "هي دائما في القلب والذاكرة ،هي تاريخ وجغرافية ، ذاكرة جماعية لأهل ثيزرث وغيرهم ،مصدر رزق للصيادين ،متحف في  الهواء الطلق لجميع الزائرين والكتاب والشعراء والرسامين ،  بها تسعد العيون، وتنشرح  القلوب والصدور ، وتتفتح العقول ،وتجود القرائح ،وحتى الأذن تنعم بهدوئها الخالي من التلوث الذي يحدثه الضجيج والضوضاء ،وهي بلسم وشفاء وعلاج لكل مريض بمرض نفسي وعصبي " .                                             

                أقيم في جوارها ،هي اليوم جارتي ؛عهدي بها  منذ الستينيات من القرن الماضي ، حينما كنت أزور الأقارب   القاطنين "بثيزرث " بين آونة وأخرى ،  تارة مشيا على الأقدام ،أو راكبا  دراجة عادية، أو مستقلا  سيارة أجرة مع الأسرة ،أو مبحرا البحر عبر سفينة ذات  شراع  ومجاديف في ملكية العائلة ، كانت من وسائل النقل من ثيزرث إلى ميناء بني انصار الصغير والعكس أيضا، وإلى الناظور للتسوق والتبضع.

                      كنت أراها أي البحيرة ولكن لا أعرف عنها أي شيء ،وأنا في فترة الطفولة ،كنت أحن إليها ، أتردد عليها واختلف إليها  حيث سكن الأهل ، وإقامة جدي بها في أواخر القرن التاسع عشر و الذي  اشتغل  بصيد  الأسماك مع القيام برحلات إلى "بوعرك "بزورقه  لتفقد المغروسات والمزروعات جهة "أرعوكراث "، بغض النظر عن سكنه ببني انصار، بعد أن نزح من  أولاد زهرة  "المدشر" الموجود في الهضاب القريبة من جبل "كوركو أو أشرشور" ، قرب "ثر حمام " المنطقة المعروفة ب "ثغزوث " المشهورة بالمشمش ذي الرائحة الذكية والمذاق اللذيذ ، مع الأسف الشديد ، لم يبق أي شيء منه برحيل البعض إلى بني انصار هروبا من وعورة المواصلات،  ثم الإهمال وعدم الاهتمام بالغرس والحرث ، كانت الهجرة تتم  من الجنوب إلى الشمال خوفا من الحروب والعدوان ،ومن فيضان البحر الذي وصل إلى هضاب بني انصار، فيضان 1522م  وفيضان 1680م ،كما تذكر بعض الروايات ،  ثم حدث الهجرة من الشمال إلى الجنوب للبحث عن العمل  في القرن العشرين والحالي ، والهروب من الظلام ،وصعوبة  المسالك والطرق ، والبحث عن عيش فيه راحة ودعة ورغد ، متوفر على  ووسائل النقل والاتصال دون مشقة وتعب وكد ونكد ….ثم اليوم يحب البعض الرجوع إلى البادية نظرا لتوفر بعض المواصلات  عن طريق إحداث بعض الطرق ،وربط "المداشر" بالإنارة والماء الشروب ، والهروب من ضوضاء وضجيج المدينة، ومن بعض السلوكات المشينة ، واليوم الساكن بدأ يتشبع بثقافة حب الطبيعة ؛ بمناظرها الخلابة الساحرة ،وهدوئها المطبق في الليل، والقيام بالرحلات للترويح في نهاية كل أسبوع . 

                                       هذه البحيرة ؛ كلما جلست  بجوارها ونظرت إليها استرجع ذكريات الطفولة ؛ اللعب والسباحة والقيام بنزهات بواسطة الزورق مع العائلة إلى ترعة " بوقانا " قبالة "أطلايون " ؛ الترعة القديمة التي انسدت طبيعيا في أواخر القرن العشرين ، وانسد أيضا "إغزر أقذيم عام 1936م على لسان القدماء "و"إغزار أوريري" ،  بالترع المذكورة المعروفة وغير المعروفة  كانت  تمر مياه  البحر الأبيض المتوسط  إلى  البحيرة الصغيرة في بداية القرن العشرين ، دون أن تعرف الركود والأسون .وحينما انسدت الترع جفت البحيرة ،وبقيت الحيتان  فوق اليابسة  في سنة 1940م ،وسمى هذا العام بعام "أوبوري " وكذلك بعام الجوع ،كما في حديث عامة الناس ؛"عام نربعين ذي عام نجوع  "،حينما يريدون ضبط زمن الحادثة أو الواقعة أو تاريخ الميلاد لأي شخص من الأهل …

                      بجوار مضيق "إغزار أقذيم" كان هناك مركز للجمارك قصد مراقبة مرور الناس والسلع والبضائع وغيرها من الأشياء ،قرب quemadero أي مكان الحرق ، تسمية أطلقها الأسبان ،ولكن اليوم لا أثر له لقد تعرض للهدم ، ثم انفتح مجرى آخر معروف ببوقانا بالقرب من "ثربيبت " ،بل يفصلها عن" ثيزرث " ، إلا أنه انسد في بداية الثمانينيات ، وظهر مجرى آخر بسبب حوادث جغرافية  يقع أسفل  "ثربيبت" ،قام المسؤولون بحفره وتوسيعه ليجري التيار المائي ولتمر القوارب الصغيرة من البحيرة إلى البحر الأبيض المتوسط ، ويحكى أنه حينما انغلق المجرى الأول ؛/إغزرأقذيم / ، كثر الملح بالبحيرة فقيل عام أوبوري ، كما أن الناموس غطا مصابيح مدينة الناظور بسبب ركود وفساد مياه البحيرة ،ثم شرعت في بداية هذا القرن وكالة "مارتشيكا" بفتح ترعة جديدة  تقع قبل "ثربيبت" بعرض يقدر بثلاثمائة متر ،وبطول يقدر بأكثر من  كيلومتر. 

           البحيرة من حيث قواعد اللغة ؛ تصغير للبحرة التي هي مجتمع الماء تحيط به الأرض من كل الجهات ، وهي إما للتقليل أو للتمليح والتحبب ، ولا أظن أنه للاحتقار والاستهزاء ، فالإنسان لا يستطيع أن يصنع ولو نقطة ماء ،وإن كان يعرف أن الماء بعد تحليله  يتكون من  أكسيجين وهيدروجين وقد خصص له الرمز  الكيميائي المشهور ،أما البحر فتصغيره هو أبيحر خارج عن القاعدة ، وقد أطلق عليها الإسبان mar chica أي البحر الصغير و/a/ للمؤنث  وo للمذكر  وكذلك تصغير البحر هو marcito أو marcillo  وعند عامة الناس تعرف با "السبخث " أي السبخة بالعربية التي تعني أرض ذات نز وملح / ما يعلو الماء كالطحلب / أرض سبخة ج.سباخ والسباخ من الأرض ما لم يحرث ولم يعمر / والنز ما يتحلب من الأرض من الماء / المنجد في اللغة والأعلام .والسبخة أيضا منطقة مستنقعية لا تصلح للزراعة لملوحتها ، في الصيف تكون جافة وفي الشتاء تكون  رطبة وطرية .

جغرافيا هذه البحيرة حدث جغرافي طبيعي ــــ وكذلك "ثيزرث "ـــ هي ابنة البحر الأبيض المتوسط ، ظهرت في القرن السادس عشر ثم في السابع عشر جراء "تسونامي " /مد بحري /عن طريق الزلزال في 1522م وزلزال 1680م ، وقد غمرت المياه "ثيزرث" فغرق كل القاطنين الذين كانوا قلة عبارة عن دواوير ، ثم بعد ثلاثة سنوات أو أكثر رجعت مياه البحر فظهرت "ثيزيرث" من جديد والبحيرة كما تذكر بعض الروايات ، والله أعلم ….وللبحيرة أسماء مختلفة ؛التسمية القديمة السبخة في ذلك  العهد ،   /سبخة بوعرك /  ربحار أمزيان، / ربحار انتمزوجين /  بحر مزوجة / سبخة بوثغمارين ، وعند الإسبان  albufera  تسمية عربية أندلسية أو albuhaira   تعني   lago /laguna /marisma/  ، وتسمية albufera  يقولون إنها من أصل "كتالاني "  فالينسياني " وأن التسمية ضاع منها  حرف   h الذي يقابل الحاء وغير موجود في الإسبانية ….كما تذكر بعض الروايات الأجنبية ….وبعضها  أخبار وروايات مستقاة من أهل قلعية … بسبب كثرة الأسماء قد لا نستأنس بها  ولا نرتاح لها من كثرة الخلط  والالتباس في الروايات  المختلفة …. لذلك أقول ثانية :والله أعلم ….؟؟.

هذه البحيرة مساحتها تتراوح بين 120 و115 و114كلم  مربع  ،طولها  يتراوح بين 27و25 كلم وعرضها يقدر بين  7و8 كلم عمقها يقدر  من 5, 0 إلى  سبعة أو تسعة أمتار أو أكثر….؟؟ ، تمتد من بني انصار إلى قرية أركمان بشاطئ دائري يحاذي بني انصار/ الناظور /قرية أركمان/ تثيزرث /أرمهندس  /ثربيبت  /.يلاحظ اختلاف الآراء في طولها وعرضها ومساحتها وعمقها ، فالمعطيات الجغرافية  دائما :تقدر بكذا  / حوالي / تقريبا /   حتى المعطيات التاريخية أيضا …. بل هي مليئة بالألغاز وتفضي إلى طرح  الاستفهامات والافتراضات والتأويلات  …. وحتى المسافة بين الأرض والكواكب الأخرى ….؟؟   فالنسبي أكثر مما هو مطلق ودقيق ،وأينشتن العبقري أقر بالنظرية النسبية .

هذه البحيرة تعتبر من أكبر بحيرات الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط ، تم تصنيفها نظرا لخصائصها التي تمتاز بها عن غيرها،  كموقع بيولوجي وإيكولوجي ،وتم أيضا  تصنيفها ضمن المناطق الرطبة حسب اتفاقية رامسار منذ 2005م ،وتعتبر ثاني أكبر البحيرات في شمال افريقيا .

هذه البحيرة عرفت غزوات ومعارك خلال العهود السالفة ،وعرفت مناورات وهجومات في عهد الحماية ، فقد حاول بعض المجاهدين ردم مدخل سبخة بوعارك للحد من جولات رؤساء الأتراك ، كما عرفت مضايق صغيرة حفرتها مياه البحر في الشريط الرملي المعروف "بثيزرث" باللغة الريفية ، و"ريستنكا" بالإسبانية restinga ،تسمية قديمة تعني فرضة ،و"بوقانا " بالإسبانية تسمية حديثة أطلقت في بداية الستينيات على الترعة التي انسدت طبيعيا قريبا من "ثربيبت "،والترعة المنسدة هي " إغزر" تسمية  ريفية متداولة بين أهل "ثيزرث" ، وأطلق على الشاطئ القريب من بني انصار   "ميامي ".

                 هذه البحيرة يروقني منظرها الجميل الخلاب الجذاب ، الجمال الطبيعي ؛موقعها / شكلها / ساحلها بتربة متنوعة ثم  الجمال الإنساني الأخلاقي ؛ الهدوء / السكون / السلم /الأمن / الصبر ، بغض النظر عن خيراتها السمكية  المتنوعة الأشكال والأحجام ، وفواكهها البحرية اللذيذة ، وتحوم حولها وتغوص في مائها الطيور القواطع والأوابد والموسمية الوسيمة  بألوانها البديعة العجيبة من صنع الله ، وقد أدت البحيرة دورها في ميدان التجارة  والصيد والحرب والمواصلات والصناعة ؛كصناعة الملح وغسل المعادن بالقرب من "أطلايون أوتلاوين أو تمشارط  أو سيدي علي انتقيشي "…من طرف الشركة الأسبانية للمعادن  "سيتولاسر"  ، وأحدث الاستعمار الغاشم الظالم  بجوارها مصنعا للغازات السامة  ــــ ويعرف المكان ب "غاسي "ــــ لقتل أرواح الشهداء والساكنة على امتداد من بني انصار والنواحي إلى  جبال الريف الصامدة ، إنها جريمة حربية شنيعة فظيعة لا تمت بصلة وقواعد الحرب .

                    هذه البحيرة هي بنت البحر الأبيض المتوسط ولكن ؛لا تشبه أباها ،لأن من أشبه أباه فما ظلم ، فهي هادئة رزينة في صلح تام مع التربة المحيطة بها والساكنة المجاورة لها ـــ يحرضها أحيانا أبوها حينما يهيج ويفيض ــ  والبحر الأبيض هو في صراع دائم مع "ثيزرث "، يريد أن يبتلعها بين آونة وأخرى ، بل  ينقص من رقعتها كل سنة ،وهي بدورها  تريد أن تشرب ماءه  لتستريح من صخبه وهيجانه وفيضانه ،لأنه يغير جغرافيتها كلما هاج أو فاض أو حدث "تسونامي" ، حتى الطبيعة في صراع دائم حول التملك والحيازة والاستحواذ والترامي والسيطرة والهيمنة ،كما أن البحر ابتلع شابا في ريعان شبابه في بداية الصيف وثلاثة أفراد من العائلة في يوم العيد، رحمهم الله جميعا ، فلا بد من الحيطة والحذركما قال الشاعر:  ثلاثة ليس فيها أمان //البحر والسلطان والزمان .

                         كل ما بجوار هذه البحيرة من نبات وأشجار وطيور وحيوانات وغيرها  يسبح لله ، بل كل ما في السموات وما في الأرض بدليل قوله تعالى : "يسبح لله ما في السموات وما في الأرض  الملك القدوس العزيز " .الجمعة 1"  يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " .التغابن 1 "ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون " .النور 41، وقد وقفت على هذا التسبيح حينما يؤذن المؤذن للصلاة ،تشرع الكلاب في النباح الذي يتحول إلى عواء حيث تمد في صوتها كرد على المؤذن ، صوت فيه نحيب وبكاء ورخم ورقة ، وكلما ذهبت إلى البحر أشاهد أسرابا من النوارس تقف فوق ريف البحر بخشوع وثبات ،وهي تنظر وتستمع إلى تلك الأمواج التي تسحر العين والأذن ، ربما في ذلك الوقوف تسبيح وصلاة وحمد وتضرع إلى الله ،وبدوري كلما حللت ونزلت "بثيزرث"  ازداد إيمانا وخشوعا ؛ بين البحر والبحيرة آبار صغيرة عذبة لا يتعدى عمقها مترين تصفيها الرمال ، بجل ؛ازداد إيمانا  حينما أنظر ليلا  إلى القمر والنجوم في طريقة تركيبها في  السماء ، وإلى البحيرة التي تبدو جميلة بانعكاس ضوء المصابيح الكهربائية على أديمها …وحينما أنظر نهارا إلى البحر أتأمل شساعته ،وأفكر في عظمته ومده وجزه ، وأحيانا أخاف منه حينما يهيج ويفيض  فتضطرب أمواجه ،وأنا أبدو أمامه كبعوضة أو كحشرة صغيرة ،وحينما أنظر إلى الشمس أحار في شروقها وغروبها حيث تزداد جمالا وبهاء  باحمرارها ، هي دائما في عزة وعظمة وقوة من  طلوعها إلى غروبها ، وإن كانت تبدو صغيرة حينما تكون في كبد السماء ، هي دائما في استمرار وحركة محافظة على أصالتها وجمالها، ولا تغريها البدع الزائفة العابرة ، ـــ لا جديد تحت الشمس ـــ هي جميلة فيها فوائد صحية جمة ،وبضوئها  تضيء العالم ،وقد استفاد الإنسان بطاقتها في الإنارة وغيرها من الأشياء رغم أن الإنسان القديم ؛ عبدها خوفا ودهشة وجهلا .

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .