الرئيسية كتاب وآراء المجلس العلمي الأعلى وتدبير جائحة كورونا (دراسة دستورية قانونية تحليلية)

المجلس العلمي الأعلى وتدبير جائحة كورونا (دراسة دستورية قانونية تحليلية)

كتبه كتب في 23 مايو 2020 - 9:11 م

البشير الحداد الكبير – جريدة البديل السياسي:


لعبت مختلف القوى الحية في الدولة دورا مهما لمواجهة جائحة كورونا،فمنذ ظهور الفيروس، تجندت السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية،لمواجهته تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وبما أن المغرب دولة إسلامية بموجب الفصل الثالث من الدستور، فقد لعب الحقل الديني كذلك دورا مهما في تدبير هذه الأزمة، من خلال مختلف المؤسسات الدينية على رأسها المجلس العلمي الأعلى، وبالتالي إلى أي حد ساهم المجلس العلمي الأعلى في مواجهة فيروس كورونا؟ للإجابة على هذا السؤال فقد إعتمدنا التقسيم التالي:
المحور الأول: المجلس العلمي الأعلى بين التأصيل الدستوري والتأطير القانوني
يلعب المجلس العلمي الأعلى دورا مهما في تسيير الشأن الديني بالمغرب،وعلى الرغم من أنه مؤسسة حديثة العهد والنشأة، إذ يعود تاريخ إنشاءه لسنة 1980،لكن مع مرور الوقت تم تعزير مكانته ودوره الحيوي، وبالتالي سنحاول الإحاطة بالتأطير القانوني لهذا المجلس من خلال ما يلي:
+ظهير شريف 1.80.270(1) المتعلق بإحداث المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الإقلمية،قام هذا الظهير بإعطاء تعريف للمجلس وتحديد إختصاصاته، وتحديد إختصاصات المجالس العلمية الإقليمية؛ 
+ظهير شريف 1.03.300(3) المتعلق بإعادة تنظيم المجالس العلمية، حيث حدد في مادته الأولى، أن المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الإقليمية تحت وصاية الملك، وهنا نستشف أن هذه المجالس العلمية غير خاضعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وإنما للسلطة المباشرة للملك،بإعتبار أن الملك هو الساهر الرئيسي على الحقل الديني بالمغرب(إمارة المؤمنين)، وبالرجوع للمادة الثانية،نجدها تحدد تأليف المجلس العلمي الأعلى، والذي يتكون من جلالة الملك (رئيسا) ثم من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ثم بعض كبار العلماء يعينون مباشرة بصفة شخصية من الملك بإعتباره أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، بالإضافة إلى رؤساء المجالس العلمية المحلية، والكاتب العام للمجلس الذي يسهر على حسن سير المجلس ويعينه الملك حسب المادة 6 من الظهير السالف الذكر،ويجتمع المجلس العلمي الأعلى مرتين في السنة بدعوة من جلالة الملك، ويمكن عقد دورة إستثنائية بأمر من الملك حسب مقتضيات المادة الرابعة،وقد حددت المادة الثالثة إختصاصات المجلس،والمتمثلة بالأساس في دراسة القضايا التي يعرضها عليه الملك ثم إعداد برنامج عمل سنوي يتضمن الأنشطة المقترح القيام بها من طرف المجالس العلمية المحلية، كما يمارس مهمة الإشراف عليها وإصدار توجيهات وتوصيات لها، ونجد أن لهذا المجلس مهمة الإفتاء، لكن ليس هو من يفتي بالضبط، وإنما الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء، والمكونة من بين أعضاءه، فدوره يقتصر فقط على إحالة طلبات الإفتاء إليها لكي تدرسها وتصدر فتاوى بشأنها، ويمكنها أن تستعين بتشكيل لجان علمية مختصة لدراسة النوازل والقضايا المعروضة عليها، بل أكثر من ذلك يمكنها الإستعانة أيضا بإستشارة ذوي الخبرة من غير أعضاء المجلس العلمي الأعلى حسب مقتضيات المادة الثامنة،وتصدر هذه الهيئة الفتاوى إما بطلب من الرئيس (جلالة الملك) أو بطلب من الكاتب العام حسب منطوق المادة التاسعة.
وبخصوص المجالس العلمية المحلية فهي تتكون من الرئيس والأعضاء، وتخضع لوصاية المجلس العلمي الأعلى ومن بين مهامها نشر مبادئ ومقاصد الدين الإسلامي السمح والحنيف، وبالتالي تشرف على تنظيم ندوات وموائد مستديرة ومحاربة الأمية والوعظ والإرشاد وتكوين القيمين الدينيين، التي تشرف على إختيارهم وإختبار قدراتهم العلمية والفقهية حسب مدلول المادة 13،وتجتمع هذه المجالس مرة كل شهر على الأقل في إطار الدورة العادية، بدعوة من الرؤساء، لكن لا يمكنها عقد دورة إستثنائية إلا بطلب من المجلس العلمي الأعلى، ويجوز لها الإستعانة بذوي الخبرة، وبالتالي نلاحظ رغم أن رؤساء هذه المجالس يتمتعون بسلطة تدبير المجالس العلمية المحلية، لكن هذه الأخيرة تخضع في الأخير لسلطة المجلس العلمي الأعلى،فالظهير السالف الذكر قد وسع من صلاحيات المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية بالمقارنة مع سنة 1980؛
+ظهير شريف 1.04.231(3) المتعلق بالمصادقة على النظام الداخلي للمجلس العلمي الأعلى ؛
+ظهير شريف 1.15.02(4)  المتمم لظهير 1.03.300،والذي أضاف مهمة للمجلس العلمي الأعلى متمثلة في إبداء الرأي بشأن مطابقة الأنشطة والعمليات التجارية والمالية والإستثمارية، بل أكثر من ذلك إحداث اللجنة الشرعية للمالية التشاركية.
أما على الصعيد الدستوري، فقد تم الإرتقاء بالمجلس العلمي الأعلى لمؤسسة دستورية،وبالرجوع للفصل 41 من دستور 2011 (5)،نجد أن جلالة الملك هو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، وهو الذي يرأس المجلس العلمي الأعلى، ويعتبر هذا المجلس هو الهيئة أو الجهة الوحيدة المخول لها إصدار الفتاوى، بمعنى نلاحظ أن هذه العبارة، هدفها هو ضبط المجال الديني وبمثابة مواجهة ضمنية للفكر المتطرف،فالمجلس العلمي الأعلى هو الوحيد الذي يملك صلاحية إصدار الفتاوى، كما نلاحظ أن إختصاصات هذا المجلس وتأليفه تحدد بظهير، فعبارة ظهير جد مهمة، بمعنى أنه لا يمكن أن نتصور أن يتم تحديد اختصاصات هذا المجلس وتأليفه بقانون أو بمرسوم أو بقرار، بمعنى أكثر، فهذا الإختصاص حصري على الملك، كما أن التنصيص على هذا المجلس في الباب الثالث المعنون ب"الملكية" يعزز هذا الطرح، وهو سهر المؤسسة الملكية على الحقل الديني، بإعتبارها تملك سلطة إمارة المؤمنين.
كما تجدر الإشارة أن المجلس العلمي الأعلى،تم التوسيع من صلاحياته، وعدم إقتصارها على الحقل الديني، وهذا ما نستنتجته من المشرع الدستوري خصوصا في الفصل 44 من الدستور الذي ينص أن الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى ضمن تركيبة مجلس الوصاية، ثم الفصل 130،الذي ينص أن الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى يقترح على الملك تعيين عضو في المحكمة الدستورية، نستشف من هاذين الفصلين، إخراج مؤسسة المجلس العلمي الأعلى من النمط التقليدي (الحقل الديني) وإضفاء نمط جديد عليها(الإهتمام بالشؤون السياسية والإقتصادية والإجتماعية والقضائية).
المحور الثاني:دور المجلس العلمي الأعلى في مواجهة جائحة كورونا
بالتأكيد، أن المجالس العلمية تشكل امتدادا لطبقة العلماء،حيث أن المؤسسة الملكية عملت منذ قرون على تنظيم الحقل الديني والإستعانة بالعلماء في تنظيم شؤون الدولة، بمعنى أن النظام السياسي يعتمد على العلماء، لأنه إذا ما عدنا لتاريخ المغرب، خصوصا ما قبل الحماية الفرنسية، نجد أن العاصمة السياسية للمغرب كانت هي مدينة فاس، وهذه الأخيرة معلوم أنها العاصمية العلمية، وبالتالي كان العلماء يلعبون دور دعم الحكم وإضفاء الشرعية عليه، ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا والمؤسسة الملكية تعمل تجديد وتقوية المجالس العلمية، نظرا لدورها الكبير في الحياة الوطنية.
وفي ثمانينات القرن الماضي، عمل الملك الراحل جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني قدس الله روحه على إحداث مؤسسة المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الإقليمية، وكان الهدف من وراء هذا التأسيس هو أن تكون هذه المجالس قريبة من المواطن، إذ يقول جلالته في خطاب ألقاه في فاتح فبراير سنة 1980:"..أصبحتم حضرات العلماء غائبين عن الميدان اليومي في المغرب،…..بل يمكنني أن أقول ،أنكم أصبحتم غرباء….أصبح الإسلام وتدريس الإسلام في الجامعات و في المدارس الثانوية لا يعدو أن يكون دروس تعليم الوضوء ومبطلات الصلاة،فأين هو تحليل النظام الاقتصادي و الاجتماعي. ..إذ جعلنا في ظهيرنا إمكانية خلق مجالس علمية في كل إقليم كلما توفر الإقليم على الأطر الصالحة التي يمكنها أن تبلغ و تحسن التبليغ".
لفهم الدور الذي لعبه المجلس العلمي الأعلى في فترة جائحة كورونا، لابد من التطرق إلى طريقة إشتغاله، فمنذ إعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله عرش أسلافه المنعمين سنة 1999،تبنى مفهوما جديدا للسلطة، قام بإحداث تغييرات جوهرية في مختلف بنيات الدولة، وبصفته أميرا للمؤمنين، شمل التغيير كذلك الحقل الديني، إذ قام بإصلاحات دينية عميقة، دون أن ننسى أيضا أن هناك ظروف دولية ووطنية عجلت بهذه الإصلاحات، الأحداث الإرهابية سنة 2001(حدث دولي) ،ثم الأحداث الإرهابية سنة 2003 بالدار البيضاء(حدث وطني) ، وبالتالي تمت إعادة تنظيم الحقل الديني، من خلال منح إمتيازات واسعة للمجلس العلمي الأعلى والتوسيع من صلاحيات المجالس العلمية المحلية والزيادة في عددها(تعزيز مسلسل اللاتمركز الإداري) ، إذ حث جلالته هذه المجالس العلمية أن تتصدى للفكر المتطرف الهدام،من خلال نشر التوعية والتقرب إلى المواطن، ولاسيما فئة الشباب، وعليه أصبح لهذه المجالس العلمية نفوذ في جميع أرجاء المغرب، إذ تضم نخبة من العلماء، وبهذا تمكنت المؤسسة الملكية من جعل هذه المجالس تواكب التطورات على الصعيد الوطني والدولي، كما أن ما يميز الحقل الديني بالمغرب هو قيامه على المذهب المالكي، الذي يتسم بالوسطية والإعتدال.
إن المؤسسة الملكية عملت على تغيير نمط إشتغال المجالس العلمية من خلال إهتمامها بالفاعلين الدينيين بإعادة تأهيليهم(تكوين إيديولوحي وَبيداغوجي) وإنفتاح المجالس العلمية على الشؤون الإجتماعية والإقتصادية، وإشراك المرأة في المجالس العلمية، تفعيلا للفصل 19 من دستور 2011 (المناصفة)،وتأطير الحياة الدينية للمواطنات والمواطنين،وجعل المجلس العلمي الأعلى على إستعداد للإفتاء في النوازل الطارئة والمستجدات.
إن السياسة التي اعتمدتها المؤسسة الملكية في الإهتمام بالحقل الديني وإعادة تنظيمه،أعطت أكلها وهذا ما شاهدناه في فترة أزمة كورونا، إذ أن المجلس العلمي الأعلى لعب دورا مهما، من خلال طلب الملك منه إصدار فتوى بخصوص  المساجد، وبالتالي تم تفعيل مقتضيات الظهير الشريف 1.03.300،وأصدر هذا المجلس فتوى، أدت إلى إغلاق المساجد، والإكتفاء بأداء العبادات في المنازل، حفاظا على الصحة العمومية للمواطنات والمواطنين ،كما لاحظنا أن السلطات العمومية استعانت بأئمة المساجد والخطباء في توعية المواطنات والمواطنين وإرشادهم، وبخصوص أداء العبادات الدينية الأخرى(صلاة التراويح-صلاة العيد) فقد تقرر أداءهم في المنازل، لمواجهة انتشار فيروس كورونا،كما أن وسائل الإعلام استعانت بتمرير الإرشادات وتفقيه الناس في أمور دينهم، بأئمة المساجد، من خلال البث الإذاعي، دون أن ننسى الدور الإعتيادي الذي يمارسه المجلس العلمي الأعلى كل سنة وهو تحديد مقدار زكاة الفطر، فقد حدد هذه السنة أيضا مقدارها.
وفي الختام، نلاحظ أن المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية،تجندت لمواجهة فيروس كورونا بالتوعية والإرشاد وممارسة صلاحياتها في إطار مبدأ الإستمرارية، وهذا من نتاج المجهودات التي قامت بها المؤسسة الملكية من خلال إصلاح المجالس العلمية.
الهوامش :
1-ظهير شريف 1.80.270 المتعلق بإحداث المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الإقليمية، الصادر بتاريخ 8 أبريل 1981،والصادر في الجريدة الرسمية عدد 3575،بتاريخ 6 ماي 1981،الصفحة: 543.
2-ظهير شريف 1.03.300 المتعلق بإعادة تنظيم المجالس العلمية، الصادر بتاريخ 22 أبريل 2004،والصادر في الجريدة الرسمية عدد 5210 بتاريخ 2004،الصفحة: 2177.
3-ظهير شريف 1.04.231 المتعلق بالمصادقة على النظام الداخلي للمجلس العلمي الأعلى،الصادر بتاريخ 16 فبراير 2005،والصادر في الجريدة الرسمية عدد 5295،بتاريخ 28 فبراير 2005،الصفحة: 857.
4-ظهير شريف 1.15.02 المتعلق بتتميم الظهير الشريف 1.03.300،الصادر بتاريخ 20 يناير 2015،والصادر في الجريدة الرسمية عدد 6333،بتاريخ 9 فبراير 2015،الصفحة: 1098.
5-ظهير شريف 1.11.91 الصادر من أجل تنفيذ دستور 2011،بتاريخ 29 يوليوز 2011،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر،بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة: 3600.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .