الرئيسية كتاب وآراء ” هل يطبق المغرب مناعة القطيع على حساب التباعد الاجتماعي في المراحل القادمة”

” هل يطبق المغرب مناعة القطيع على حساب التباعد الاجتماعي في المراحل القادمة”

كتبه كتب في 9 مايو 2020 - 5:53 ص

"وسيم الشابي" – جريدة البديل السياسي:


مع انتشار وباء كورونا انتشر مصطلح "مناعة القطيع" في وسائل الإعلام كافة. بيد أن مضمون هذا التعبير ظل غامضا، لدى الكثيرين، بمن فيهم الجزء الأعظم ممن يعتقدون أنهم على معرفة تامة بفحوى المصطلح وأبعاده الأيديولوجية وتأويلاته التشريعية والقانونية، وتطبيقاته على أرض الواقع. هذا المقال يسعى إلى إزالة بعض الغوامض والخفايا المتعلّقة بالموضوع. ولكن قبل هذا سنقوم بإجراء نظرة سريعة جدًّا على أبرز مظاهر انتشار الوباء في العالم، من دون التوقف عند الحقائق الشائعة والمعروفة عالميا لغرض مواجهة الوباء ظهر اتجاهان إجرائيان متعارضان، يحددان المبادئ الرئيسة للسياسة الصحية في كل دولة، الأول ينادي بمواجهة الوباء من طريق العزل المنزلي والاجتماعي الجزئي، ثمّ التام، بقوة جهاز الدولة، وبالتعاون مع المواطنين؛ والاتجاه الثاني يؤكد عدم الخشية من الوباء، وانتفاء ضرورة التحصن ضده، وترك الأمور تحل نفسها بنفسها.
لتبسيط مفهوم مناعة القطيع لنفرض جدلا ان هناك قرية يعيش فيها عشرة افراد منهم مسنان لا يغادران الفراش. زار القرية مريض بمرض معدي والتقي بأربعة افراد من القرية ثم غادر. فهناك احتمال لانتقال العدوى لجميع سكان القرية بما فيهم المسنان.
ماذا لو لم يكن لدى المسنان اي مناعة سابقة من هذا المرض في حين كان لدى ثمانية من سكان القرية مثلا مناعة سابقة من هذا المرض سيكون لدى هذين المسنين نوع اخر من المناعة تحميهما من الاصابة بالمرض يطلق عليها مناعة القطيع.حيث لن يستطيع هذا الزائر المريض بالمرض المعدي نقل المرض الى المسنين عن طريق باقي سكان القرية لوجود مناعة لدى بقية السكان، هذة المناعة لدى بقية السكان توفر حماية لهذين المسنين وهي ما تعرف بمناعة القطيع.
في حالة فيروس الكورونا مناعة القطيع ستحدث بمجرد وصول عدد الاصابات من 60% الى 70% من السكان. الوصول الى هذا العدد بسرعة ينتج عنه وفيات عالية بسبب تسببه في انهيار المستشفيات تحت ضغط الاعداد الكبيرة من المرضى في وقت قصير، بينما تسطيح المنحنى معناه الوصول الى نفس العدد بما يحقق مناعة القطيع في وقت اطول في حدود قدرة المستشفيات مما سيقلل الوفيات.الوصول السريع الى مناعة القطيع رغم وفياته العالية الا ان اثاره الاقتصادية السلبية اقل الوصول البطيء الى مناعة القطيع (باتباع اجراءات التباعد الاجتماعي لتسطيح منحنى العدوى) يحقق وفيات اقل ولكن تأثيره الاقتصادي السلبي اكبر. الان الدور على الحكومات في الاختيار بين انقاذ الاقتصاد ام انقاذ حياة اكبر عدد ممكن من الناس (خاصة المسنين والمرضى). 
يتضح لنا ان الوصول لمناعة القطيع لا يعني بالضرورة ما سبق واعلنه رئيس وزراء انجلترا من ترك الساحة مفتوحة و تقبل نسب عالية من الوفيات وعلينا هنا ان نؤكد مرة اخرى ان هناك فرق بين: ضرورة الوصول لمناعة القطيع .. وسرعة الوصول لمناعة القطيع. في حالة covid-19 تعني مناعة القطيع ان يكون لدى 70% من المجتمع مناعة ضد المرض اما بسبب لقاح او بسبب اصابة بالفيروس الحقيقي نفسه ثم التعافي مما يشكل وقاية لبقية ال 30% من السكان. مهمة السلطات الصحية في اي مكان في العالم مع اي تفشي او وباء هي النجاح في ادارة عملية الوصول الى مناعة القطيع. وقد تضع الدول لنفسها اهدافاً مختلفة لتحقيق ذلك طبقاً لقناعاتها وتركيبتها السكانية وتقدمها العلمي وقدرتها التصنيعية وحالتها الاقتصادية ثم تحدد استراتيجيات المواجهة وتضع خطط لتنفيذها على الأرض.اما ترك الامور دون تدخل او ادارتها بشكل غير ناجح فقد يؤدي لا قدر الله الى كارثة على كل المستويات منها ما اشرت اليه من انهيار في المنظومة الصحية (المستشفيات على الاخص) وارتفاع رهيب في الوفيات وربما كارثة اقتصادية أيضا.
وقد ساهمت مناعة القطيع التي أنشئت بواسطة التلقيح في استئصال مرض الجدري في العام 1977، كما ساهمت أيضا في تقليل انتشار العديد من الأمراض الأخرى. لكن لا يمكن تطبيق مناعة القطيع على جميع الأمراض، إذ يمكن تطبيقها فقط على الأمراض السارية، أي أن المرض قادر على الانتقال من شخصٍ لآخر. مثلًا، مرض الكزاز يعتبر مرضا معديا وليس ساريا، بالتالي لا يمكن تطبيق مناعة القطيع عليه. واستخدم مصطلح مناعة القطيع ‏ للمرة الأولى في العام 1923م. وقد اعترف به كظاهرة تحدث طبيعيا في ثلاثينيات القرن العشرين، وذلك عندما لوحظ أنه بعد تطوير عدد كبير من الأطفال لمناعة ضد الحصبة، فإن عدد الإصابات الجديدة قد انخفض مؤقتا، خصوصا بين الأطفال المعرضين لخطر الإصابة به. وأصبح التلقيح الجماعي لإحداث مناعة القطيع شائعا منذ ذلك الوقت، كما أثبت نجاحه في منع انتشار العديد من الأمراض المعدية. في السيناريو المثالي تختار السلطات الصحية في كل دولة ما تعتقد هي انه الاستراتيجية الانجح من وجهة نظرها طبقا لظروفها للوصول الى اقل نسبة وفيات واقل ضرر اقتصادي ممكن اثناء الوصول الى مناعة القطيع. وبما ان الوصول الى مناعة القطيع عبر لقاح ليست متاحة في الوقت الحالي فالخيارات المتاحة محدودة ومنها ما هو قابل للتطبيق ومنها ما هو غير ذلك. ولا خلاف الان على ان النجاح هو ان يحقق هذا الخيار في الوضع المثالي امكانية ان يتم انتقاء ال 70% هؤلاء (الذين سيكون لديهم مناعة مكتسبة من خلال اصابتهم بالمرض) من الاشخاص الافضل فرصا في الانتصار في تلك الحرب مع الفيروس وان يتم دعمهم بخدمة طبية متاحة في حال احتياجهم لها، على ان يكون ال 30% المتبقون من الفئات الاكثر حاجة للحماية مثل كبار السن و المرضى  وهذا ما يطلق عليه الان تسوية او تسطيح منحنى العدوى. وقد اصبح من المتفق عليه الآن على نطاق واسع (حتى من رئيس الوزراء البريطاني نفسه حتى قبل ان يصاب ويدخل العناية المركزة وكذلك من الرئيس ترامب بعد مقاومة منهما) أن كل بلدان العالم تحتاج إلى "تسوية المنحنى" عن طريق فرض التباعد الاجتماعي. ومن المتفق عليه ايضاً ان الهدف من ذلك هو إبطاء انتشار الفيروس حتى لا يتسبب تدفق سيول من اعداد المرضى في تعريض نظام الرعاية الصحية للانهيار تماما، كما حدث (او للدقة كاد ان يحدث) في إيطاليا مؤخرا.
 كل هذا يدعوننا للخروج بخطة ذات أبعاد طبية واقتصادية واخلاقية هدفها حماية المجتمع الدولي وعدم تغول منطق على آخر، وإلا فالثمن المتوقع لا يمكن للبشرية أن تتحمله.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .