الرئيسية كتاب وآراء “التقاضي عن بعد والحكامة القضائية في فترة كورونا(مبادرة وزارة العدل نموذجا)”

“التقاضي عن بعد والحكامة القضائية في فترة كورونا(مبادرة وزارة العدل نموذجا)”

كتبه كتب في 24 أبريل 2020 - 7:27 م

البشير الحداد الكبير،حاصل على الماستر في القانون العام،من مدينة طنجة – جريدة البديل السياسي:


سنبدأ هذا المقال بمقتطف من الرسالة الملكية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي حول العدالة بمراكش في أكتوبر 2019،إذ قال جلالته:"… وتبني خيار تعزيز وتعميم لامادية الإجراءات والمساطر القانونية والقضائية، والتقاضي عن بعد، باعتبارها وسائل فعالة تسهم في تحقيق السرعة والنجاعة، وذلك انسجاما مع متطلبات منازعات المال والأعمال، مع الحرص على تقعيدها قانونيا، وانخراط كل مكونات منظومة العدالة في ورش التحول الرقمي.. "، أثبت فيروس كورونا أن العالم بحاجة إلى نظام جديد في كافة المستويات، وأننا بحاجة للتعامل الرقمي في كافة الإدارات العمومية لتسهيل وتبسيط المساطر خصوصا ونحن في الألفية الثالثة.
قامت وزارة العدل في ظل أزمة كورونا بإطلاق مبادرة التقاضي عن بعد، وهذه المبادرة تذكرنا بالمثل الفرنسي الشهير "في الأزمات الغير المتوقعة ينبغي إيجاد حلول غير متوقعة" "Dans les crises inédites il faut trouver des solutions inédites"،حيث أن هذه المبادرة تأتي تماشيا مع الإجراءات الإحترازية المتخذة لمحاربة تفشي فيروس كورونا، إذ سيتم التنسيق ما بين وزارة العدل وإدارة السجون والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وهذا يجسد لنا التطبيق الفعلي لمبدأ الفصل المرن للسلط خصوصا الشق المتعلق بالتعاون فيما بينها، وهنا نلاحظ التعاون ما بين السلطتين التنفيذية والقضائية.
إن مبادرة "التقاضي عن بعد" تحمل في طياتها عدة أبعاد، نذكر منها:
+التكريس الفعلي للإدارة الإلكترونية، بإعتبارها الوسيلة الفعالة في زمن كورونا وما بعد كورونا، فالإدارة الإلكترونية تعتبر الضامن الأساسي لتحقيق "مبدأ إستمرارية المرافق العمومية"، ففي أزمة كورونا،لا يمكن للإدارة القضائية أن تتوقف، بإعتبارها مرفقا حيويا،فمبدأ الإستمرارية أكد عليه المشرع  المغربي في دستور 2011 (1) وبالضبط في الفصل 154 الذي يندرج ضمن الباب الثاني عشر، المعنون بالحكامة الجيدة.
+إن مبادرة التقاضي عن بعد، ستساهم أيضا في تبسيط المساطر تفاديا للبيروقراطية الإدارية، وتجنب كثرة الملفات نتيجة الضغط وتتبعها عن بعد في إطار تكريس حق الحصول على المعلومة المنصوص عليه في الفصل 27 من الدستور، دون الحاجة إلى الإنتقال إلى المحكمة، حفاظا على مصلحة المتقاضين والموظفين القضائيين وتماشيا كذلك مع شروط السلامة الصحية التي وضعتها الحكومة.
+ستساهم أيضا هذه المبادرة في تكريس مبدأ الشفافية، بإعتبار هذا الأخير من المبادئ الدستورية، مما سينعكس إيجابا على المرفق القضائي، خصوصا من ناحية تكريس الثقة ما بين القضاء والمواطن. 
+إن هذه المبادرة سيكون لها دور فعال في حماية الحريات والحقوق الأساسية للمواطنات والمواطنين،بإعتبار أن القضاء هو الساهر على حمايتها وضمان الأمن القضائي والتطبيق السليم للقانون حسب منطوق الفصل 117 من دستور 2011.
إذا ما عدنا للفصل 119 من الدستور السالف الذكر، نجد أن كل شخص بريئ حتى تثبت إدانته، وعليه بتفعيل مبادرة التقاضي عن بعد، ستتم المحاكمة العادلة(الفصل 120 من الدستور) إستنادا إلى الأدلة، وعليه من ثبت في حقه الجرائم سيتم الحكم عليه حسب المقتضيات القانونية، ومن لم يثبت في حقه أي شيئ، سيكون مصيره البراءة،وهكذا لن تضيع الحقوق والحريات نتيجة عدم  توقف عمل المؤسسات القضائية كل هذا تماشيا مع روح دستور 2011 والمواثيق الدولية(الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948) بإعتبار أن المغرب عضو فعال في المنظومة الدولية ملتزم بتعهداته الدولية.
إن الإدارة القضائية تتجه نحو تكريس مفهوم جديد في تدبير القضايا ومعالجتها، تدبير قائم على الإدارة الإلكترونية، فهي تسعى إلى تعميمها في جميع هياكلها، وهذا ما لاحظناه مع مشروع قانون 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي الذي أحيل على المحكمة الدستورية للبت في مدى مطابقته للدستور تفعيلا للفصل 132. 
ينبغي تعميم مبادرة "التقاضي عن بعد" في جميع المحاكم المغربية ما بعد أزمة كورونا خصوصا أن الجانب الإلكتروني أصبح ضرورة ملحة لسرعة البت في القضايا وتفادي آثار البيروقراطية الإدارية،فالقضاء يعتبر من المفاتيح المهمة لدولةالحق والقانون، ولتحسين مناخ الأعمال والإستثمار، فالإدارة الإلكترونية في المرفق القضائي ستعزز هذا الدور، بل ستساهم أيضا في تحسين الأداء وتحقيق الجودة وضمان السير السليم للمرفق القضائي، بالإضافة إلى تحقيق النجاعة والفعالية، فجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، منذ إعتلائه عرش أسلافه المنعمين، يسعى جاهدا، لبناء مغرب جديد، مغرب حديث، يساير مستجدات الألفية الثالثة، ويضع الإدارة الإلكترونية في صلب أولوياته، إذ قال جلالته أعزه الله في خطاب ألقاه بمناسبة إفتتاح السنة القضائية 2003:"…وهكذا وتجسيدا لنهجنا الراسخ للنهوض بالاستثمار وتفعيلا لما ورد في رسالتنا الموجهة لوزيرنا
الأول في هذا الشأن فإننا ندعو حكومتنا إلى مواصلة الجهود لعصرنة القضاء بعقلنة العمل وتبسيط
المساطر وتعميم المعلوميات…".
إن المؤسسة القضائية بجميع هياكلها وفروعها من أهم أهدافها، تعميم الإدارة الإلكترونية، لخدمة المواطن بالدرجة الأولى،ولتحقيق الحكامة القضائية ،وهنا نستدل بمقتطف من الكلمة  التي ألقاها  السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، بإعتباره الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية(حسب الفصل 115 من الدستور) ، أثناء افتتاح السنة القضائية 2020،إذ قال:"… وهو ما سيعزز هيكلة المجلس ويساعد في دعم مجهوداته من أجل الانخراط في ورش التحديث وتطوير الخدمات القضائية الالكترونية وتجويدها وملائمتها مع المتغيرات الوطنية والدولية في مجال العدالة الرقمية التي نعتبرها من التحديات الأساسية التي يجب كسب رهانها…". 
إن مبادرة التقاضي عن بعد تحتسب لوزارة العدل من خلال سعيها الدائم لتطوير منظومة العدالة تنفيذا للتعليمات الملكية السامية التي تهدف للدفع بالإدارة القضائية إلى مصاف الدول المتقدمة. 
الهوامش :
1-ظهير شريف 1-11-91 الصادر من أجل تنفيذ دستور 2011،بتاريخ 29 يوليوز 2011،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، بتاريخ 30 يوليوز 2011، الصفحة:3600.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .