الرئيسية كتاب وآراء “إلى أي حد ساهم الإطار الدستوري والقانوني في تنظيم حالة الطوارئ الصحية وفي حماية الحريات والحقوق الأساسية بالمغرب؟ “

“إلى أي حد ساهم الإطار الدستوري والقانوني في تنظيم حالة الطوارئ الصحية وفي حماية الحريات والحقوق الأساسية بالمغرب؟ “

كتبه كتب في 1 أبريل 2020 - 10:46 م

البشير الحداد الكبير،حاصل على الماستر في القانون العام،من مدينة طنجة – جريدة البديل السياسي:
لقد احتل موضوع فيروس كورونا مرتبة الصدارة في الرأي العام الوطني والدولي، وللحفاظ على سلامة المواطنات والمواطنين تم اتخاذ مجموعة من القرارات التي الهدف منها الحفاظ على النظام العام الصحي، سنحاول من خلال هذا المقال، تفسير الإطار الدستوري والقانوني المنظم لحالة الطوارئ الصحية، بالإضافة إلى الإجابة عن التساؤل  الذي طرح بخصوص المادة السادسة من المرسوم بقانون 2.20.292(1)،خصوصا فيما يخص المدة، دون أن ننسى التطرق إلى كيفية ممارسة  الحريات والحقوق الأساسية في ظل حالة الطوارئ الصحية، ولمعالجة هذا الموضوع، فقد اعتمدنا التقسيم التالي:
المبحث الأول:الإطار الدستوري والقانوني المنظم لحالة الطوارئ الصحية 
يتجلى السند الدستوري المنظم لحالة الطوارئ الصحية في العديد من الفصول، نذكر ما يلي:
*الفصل 20،الذي يؤكد أن الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان؛ 
*الفصل 21،الذي نستشف منه أن لكل مواطنة ومواطن الحق في سلامته وسلامة اقربائه وحماية ممتلكاته، وأن السلطات العمومية تضمن هذه السلامة والحماية في سائر التراب الوطني في إطار إحترام الحريات والحقوق الأساسية؛ 
*الفصل 31،الذي يؤكد في جزء من مضامينه على "العلاج والعناية الصحية"؛ 
*الفصل 35،والذي بقراءة متأنية له، نجد معطى مهم "العناية بالفئات الهشة"، وهذا ما شاهدناه في ظل هذه الأزمة إذ أنه سيتم منح الدعم المؤقت للأسر المعوزة سواء كانت تتوفر على بطاقة رميد أم لا، في إطار تنزيل التعليمات المولوية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي منذ إعتلاءه عرش أسلافه الميامين، وهو يولي عناية خاصة بالقطاع الاجتماعي ويسعى لضمان العيش الكريم للفئات الهشة؛
*الفصل 40،الذي يؤكد على التضامن بين المواطنات والمواطنين في الظروف الصعبة، خاصة الآفات والكوارث الطبيعية؛
*الفصل 72،الذي يؤكد بصريح العبارة أن المجال التنظيمي(الحكومة) يختص بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون، معنى هذا الفصل أو تأويله، نجده في الفصل 71،إذ بقراءتنا لاختصاصات المشرع المغربي لا نجدد بتاتا أنه يختص بتدبير الأمراض والكوارث الطبيعية، وعليه فإن هذا الاختصاص ضمن صلاحيات السلطة التنظيمية؛
*الفصل 92،نجد أنه من إختصاص مجلس الحكومة، الذي يرأسه رئيس الحكومة،التداول في القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان وبالنظام العام؛ 
*الفصل 145،الذي يؤكد في فقرته الثانية أن الولاة والعمال يعملون بإسم الحكومة على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها.
إن إعلان حالة الطوارئ الصحية لم يقتصر فقط على الإطار الدستوري، بل شمل حتى الجانب القانوني، نذكر ما يلي:
*اللوائح التنظيمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية؛ 
*المرسوم الملكي بمثابة قانون المتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء على الأمراض الصادر سنة 1967،وتجدر الإشارة أنه في هذه الفترة بالذات كانت هناك حالة إستثناء أعلنها سنة 1965 جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه؛
*المرسوم المتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية(الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6854 بتاريخ 6 فبراير 2020).
قامت الحكومة بإصدار مرسومين، الأول مرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، والثاني مرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد 19(3).
لقد أثار مرسوم بقانون 2.20.292،موجة من النقاشات والتأويلات خصوصا فيما يتعلق بالمدة،فقبل الخوض في المدة، وعلى من تسري، وجب التطرق أولا للإطار العام لهذا المرسوم بقانون، فالكثير خصوصا الغير المهتمين بالشأن القانوني، لم يفهموا،ما المقصود بالمرسوم بقانون، فكما هو معلوم أن الدستور المغربي الجديد 2011 حدد في فصله الأول طبيعة النظام الدستوري للمملكة المغربية والمتمثل بالضبط في الفصل المرن القائم على التوازن والتعاون بين السلط، فالتعاون بين السلط خصوصا التشريعية والتنفيذية من تجلياته أن الحكومة تحل محل البرلمان لتشرع.
وتجدر الإشارة أن المغرب أخذ من التجربة الفرنسية بخصوص تشريع الحكومة محل البرلمان، ففرنسا أقرت بها في ظل الجمهورية الخامسة سنة 1958،لأنها أرادت أن تتجاوز أزمة الجمهورية الرابعة لسنة 1946،إذ كان البرلمان الفرنسي هو المهيمن كان يشكل قوة عظمى أمام محدودية السلطة التنفيذية الفرنسية،مما كان يستحيل معه إتخاذ العديد من القرارات مما خلف آثارا سلبية(إقتصادية، إجتماعية،سياسية… إلخ) فحاولت فرنسا تجاوز الوضع في دستور الجمهورية الخامسة حتى لا تعيد نفس الأزمة.
إن الدساتير المتعاقبة في المغرب بدءا بأول دستور سنة 1962(4)،مرورا بدستور 1970(5)،ثم دستور 1972(6)،و دستور 1992(7)،ثم دستور 1996(8)،وأخيرا دستور 2011 ،حاولوا تكريس ما يسمى "العقلنة البرلمانية"،وبالرجوع "للفصل 81" من الدستور الجديد نجد أنه يمنح للحكومة إمكانية التشريع في الفترات الفاصلة بين الدورات البرلمانية، وهذا ليس بالشيء الجديد فمعظم الدساتير السالفة الذكر عملت على ذلك، وبقراءتنا للفصل 81، نستشف أن الطابع الذي يطغى على القضايا التي تشرعها الحكومة هو عنصر "الإستعجال" بمعنى أنه لا يقبل التأخير، ففيروس كورونا يعتبر من الأمور المستعجلة التي تستدعي التدخل الفوري، بمعنى من الأمور الضرورية التي لا نحتاج فيها أن ننتظر إنعقاد البرلمان في دورته العادية(9) ولا في دورة إستثنائية(10).
وبخصوص مسألة المدة وما أثارت المادة 6 من المرسوم بقانون 2.20.292 من نقاش فقهي وقانوني، نجد أنها تؤكد أن الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية سيتوقف سريانها خلال فترة الطوارئ وستستأنف في اليوم الموالي لرفع حالة الطوارئ الصحية، لكن هنا ينبغي التنبيه أن التقادم في المادة المدنية والجنائية لا تسري عليه أحكام المادة السادسة من المرسوم بقانون السالف الذكر.
المبحث الثاني :حماية الحريات والحقوق الأساسية في حالة الطوارئ الصحية
تعتبر سنة 2011 سنة استثناء بكل المقاييس أفرزت لنا دستورا جديدا جاء تجسيدا للإرادة الملكية السامية التي تهدف إلى الإرتقاء بالشعب المغربي إلى صفوف الدول المتقدمة، حيث أنه هناك من أطلق على هذا الدستور بدستور الحقوق والحريات ،لأنه بمقارنته مع الدساتير السابقة، نجد أن المشرع الدستوري وسع من دائرة الحريات والحقوق الأساسية، بل أكثر من ذلك أنه خصص بابا كاملا للحديث عن الحريات والحقوق الأساسية، وهو الباب الثاني، يعني هذا تدشين لمرحلة جديدة ولعهد جديد.
و بقراءة للمقتضيات الدستورية المنظمة للحريات والحقوق الأساسية، نجد أن الحريات والحقوق يتم ممارستها بقانون فمثلا في الفصل 29 من دستور 2011 نجد أن حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والإنتماء النقابي والسياسي تمارس بقانون بمعنى وفق ضوابط قانونية محددة، وعلى العموم فلا يمكن تقييد ممارسة الحريات والحقوق الأساسية إلا بقانون، فعند إعلان حالة الطوارئ الصحية نجد أن المغرب برهن أنه بلد الحقوق والحريات بلد الحق والقانون فجميع الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور المغربي تم إحترامها، فتم تطبيق الفصل 21 الذي يؤكد أن السلطات العمومية تضمن سلامة السكان وسلامة التراب الوطني في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية، بل أكثر من ذلك نجد التطبيق الحرفي للفصل 22 من الدستور الذي ينص على الحماية الجسدية والمعنوية للمواطنات والمواطنين،فعند إعلان حالة الطوارئ الصحية، قامت السلطات العمومية بدور التواصل مع السكان بتفعيل الإرادة الملكية السامية المتمثلة في "المفهوم الجديد للسلطة" قامت بمهمة التوعية والتحسيس، كما أنه بالرجوع للفصل 27 من الدستور نجد أن المواطنات والمواطنين من حقهم الحصول على المعلومة وهذا ما شاهدناه في حالة الطوارئ الصحية إذ أن الحكومة المغربية قامت بجميع الإجراءات لإيصال المعلومات للمواطنات والمواطنين، من خلال تقديم معطيات ومؤشرات حول فيروس كورونا من طرف وزارة الصحة بل أكثر من ذلك في إطار تفعيل الإدارة الإلكترونية نجد أن البوابة الإلكترونية لوزارة الصحة دائما تمد المواطنات والمواطنين بالأرقام والإحصائيات، وبالرجوع للفصل 31 من الدستور نجد أن من بين مهام الدولة ضمان تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة، وفي حالة الطوارئ الصحية قامت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني بضمان تنزيل هذا المقتضى الدستوري إلى الوجود عبر المبادرة التي لقيت تنويها وهي "التعليم عن بعد".
وبقراءة لهذه الفصول الدستورية نجد أنها تؤكد على تحلي المواطنات والمواطنين بروح المسؤولية والمواطنة عند ممارسة الحريات والحقوق الأساسية، فوباء كورونا يفرض التحلي بالمسؤولية وروح المواطنة.
وتجدر الإشارة أن الدستور المغربي قام بتحصين الحريات والحقوق الأساسية سواء في الظروف العادية أو الإستثنائية، وهذا ما نستشفه من دسترته للمجلس الوطني لحقوق الإنسان(11)،الذي يلعب دور مهم في مراقبة عمل السلطات العمومية أثناء حالة الطوارئ الصحية في إطار تكريس دولة الحق والقانون، بالإضافة إلى الدور الرقابي للبرلمان في إطار "الرقابة البرلمانية" أو من خلال عرض مرسوم بقانون 2.20.292 على البرلمان في الدورة البرلمانية المقبلة.
وفي الختام يمكن القول أن الحكومة المغربية فرضت حالة الطوارئ الصحية من أجل الحفاظ على صحة المواطن المغربي بالدرجة الأولى،وفي إطار المشروعية التي يخولها لها الدستور والقانون، كما أن السلطات العمومية أثناء تنفيذها للقرارات أبانت عن إحترامها للحريات والحقوق المنصوص عليها دستوريا، فالمغرب بكل صدق وموضوعية نموذح يحتذى به عالميا في إحترام حقوق الإنسان وضمان كرامة المواطن وتكريس دولة الحق والقانون.
الهوامش :
1-مرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020، الصفحة:1782.
2-الظهير الشريف 1.11.91 الصادر بتنفيذ دستور 2011 بتاريخ 29 يوليوز 2011، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة:3600.
3-مرسوم 2.20.293 الصادر في 24 مارس 2020 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة فيروس كورونا-كوفيد 19،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020،الصفحة 1783.
4-الظهير الشريف الصادر بتنفيذ دستور 1962 بتاريخ 14 دجنبر 1962،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 2616 مكرر بتاريخ 19 دجنبر 1962،الصفحة:2993.
5-الظهير الشريف 1.70.177 الصادر بتنفيذ دستور 1970 بتاريخ 31 يوليوز 1970،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 3013  بتاريخ 1غشت 1970،الصفحة:1930.
6-الظهير الشريف 1.72.177 الصادر بتنفيذ دستور 1972 بتاريخ 10 مارس 1972،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 3098  بتاريخ 15 مارس 1972،الصفحة:626.
7-الظهير الشريف 1.92.155 الصادر بتنفيذ دستور 1992 بتاريخ 9 أكتوبر 1992،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 4172  بتاريخ 14 أكتوبر 1992،الصفحة:1247.
8-الظهير الشريف 1.96.157 الصادر بتنفيذ دستور 1996 بتاريخ 7 أكتوبر 1996،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 4420  بتاريخ 10 أكتوبر 1996،الصفحة:2281.
9-الفصل 65 من دستور 2011.
10-الفصل 66 من دستور 2011.
11-الفصل 161 من دستور 2011.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .