الرئيسية كتاب وآراء الصومال و المساواة بين الجنسين:التجربة الموؤودة

الصومال و المساواة بين الجنسين:التجربة الموؤودة

كتبه كتب في 8 ديسمبر 2019 - 3:49 م

جريدة البديل السياسي / بقلم : عبدالرضي لمقدم

لقد كانت تركيا، كبلد إسلامي، سبّاقة في مجال المساواة في الإرث منذ بدايات تأسيس الجمهورية في العشرينيات، وبعد سنوات طويلة طرحت تونس مبادرة للمساواة، العام 2017، وهي مبادرة ما تزال ممكنة، رغم تحدياتها، إلا أنّ هناك حالة لا يتم التطرق لها كثيراً في هذا المجال؛ وهي تجربة الصومال رغم أنّها تعود إلى سبعينيات القرن الماضي.

الاتجاه إلى الاشتراكية كان القاسم المشترك بين البلدان التي تحررت من الاستعمار الغربي، فاتجهت إلى القضاء على النظام الإقطاعي أولاً، ومن ثم إقرار قوانين للمساواة بين الجنسين، أو على أقلّ تقدير، سعت تلك البلاد إلى تقليل الفجوة بينهما.وتجربة الصومال في المساواة بين الجنسين طالها النسيان رغم انها تعود لسنوات السبعينات فقط. وهنا كانت إنطلاقة الصومال في تأسيس التمكين السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمرأة، لكن قانون الأحوال الشخصية في معظم البلاد ذات الأغلبية الإسلامية ظل مستمداً من الشريعة، حتى في أعتى البلاد الاشتراكية؛ فتولّت النساء الحقائب الوزارية والمناصب الحكومية في بلدان استمرت فيها القوامة وقوانين الطاعة والنشوز، …إلخ، ولم ُيواجه المشرّع المدني أو العسكري هذا التمييز ضدّ النساء كما كان الحال في مصر، على سبيل المثال.

استقلّ الصومال عن الاستعمارين البريطاني والإيطالي العام 1960، وهو العام الذي أعلنت فيه البلاد الوحدة بين شمالها وجنوبها، وتشكّلت أول حكومة من حزب وحدة الشمال الصومالي، لكنّ شيوع الفساد أدى إلى اندلاع أزمات سياسية بين قبائل الشمال والجنوب، وحدثت إثره خلافات حادة في الحزب، واغتيل الرئيس الصومالي، شيرماركي، على يد أحد حراسه، في خضم أزمات سياسية عديدة، ناتجة عن تورط حزب وحدة الشمال الصومالي في فساد مالي، فضلاً عن إحياء التوتر بين القبائل والعشائر. و عقب ذلك عمّت الفوضى في البلاد، ما أسفر عن تدهور الحالة السياسية وتدخل المؤسسة العسكرية في الحكم؛ من خلال انقلاب ناعم، غير دموي، على الحكومة المدنية (العام 1969)، ليتولى بعد ذلك محمّد سياد بري (1919- 1995) مقاليد الحكم.

ووسط هذا المشهد؛ تبنّى محمد سياد بري، العام 1975، قانوناً اشتراكياً داعماً للمساواة بين الطبقات من جهة، والنساء والرجال من جهة أخرى، فقام بمبادرة قانون الأحوال الشخصية، التي ألغت تعدّد الزوجات والقوامة الزوجية للرجال، وكان من بين بنوده المساواة في الميراث، وأدّت أصداء هذه التشريعات إلى إلغاء عقد مؤتمر جامعة الدول العربية، الذي كان مقرَّراً في الصومال، في العام ذاته، وفق تقرير نشر بموقع مركز مقديشيو للبحوث والدراسات، بتاريخ 24 مايو 2016، تحت عنوان "قوانين الصومال" جاء هذا الإصلاح التشريعي وسط تناحرات قبلية، وحكم شمولي، وأميّة متفشية بين النساء، وهنا كانت الأزمة والتحدي الأكبر لتجربة الصومال في المساواة؛ لأنّ غالبية النساء في الصومال لم يستطعن التمكّن من حقوقهن؛ بسبب قوة القبيلة وسطوتها من خلال نظام أبوي، فإن طالبت المرأة بحقها القانوني، وجدت نفسها في مواجهة مع الأعراف والتقاليد والشريعة، في مجتمع شديد القبلية، يعيش مع صراعات التنظيمات الجهادية.

استمر حكم محمد سياد بري حتى العام 1991، قبل عزله عن الحكم، وسقوط الصومال في مزيد من التناحرات العشائرية، وهنا عادت المحاكم الشرعية للظهور، وسط التناحرات السياسية والعشائرية، وفي مارس 2009 ، قامت الحكومة الائتلافية الجديدة بإقرار الشريعة الإسلامية مصدراً وحيداً للتشريع. بهذا، تضافرت قوى القبيلة والأصولية ضدّ إقرار هذه المساواة، والسلطة العسكرية، التي نكّلت بالمعارضين على جميع الأصعدة، من جهة أخرى؛ صنعت شرخاً كبيراً، فوجدت المرأة الصومالية، التي تعاني أزمات في التعليم والاقتصاد، نفسها بين المطرقة والسندان. هنا قد يوضع الصومال في مقارنة مع تركيا، لنجد أنّ قوانين المساواة قد تتحطم وسط انتشار الأفكار الأصولية المحافظة من جهة، والواقع القبلي الذي تتسم به معظم البلاد الإسلامية، رغم أنّ الثقافة العشائرية قد لا تظهر في قلب العاصمة والمدن والمناطق النخبوية؛ بسبب "مركزية الحكم والثقافة"، التي تتسم بها معظم البلدان العربية الإسلامية، إلا أنّ تلك الثقافة القبلية حاضرة في العمق، وفي الأطراف، وبسببها ما تزال الفتيات يعانين من الأميّة والمنع من التعليم.

تضافرت قوى القبيلة والأصولية ضدّ إقرار هذه المساواة والسلطة العسكرية التي نكّلت بالمعارضين على جميع الأصعدة وضع تجربة الصومال نصب الأعين، ليس لإنكار حقّ المساواة الجندرية، بما فيها حقّ المساواة في الميراث، ولكن لمحاولة دمج دراسات أنثربولوجية تسير بالتوازي مع المبادرات الحقوقية والسياسية، بهدف استيعاب آليات التغيير وتعزيزها، والتقليل من آثارها العكسية، حتى تأتي بالمرجوّ منها. أكبر تحدّ تواجهه البلاد العربية الإسلامية؛ هو وصف المساواة بشكل عام بأنّها "درب من دروب الانحلال والفساد والاستبداد السلطوي"، ورغم أنّ الحكومات التي تدعو للمساواة في قضية المرأة، قد تمارس الاستبداد والتنكيل بمعارضيها (كما في حالة الصومال المذكورة)، إلا أنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّ معارضيها ليسوا مستبدين، وإنّما هم مُدافعون عن مصالحهم سواء في العصبية الدينية أو في الاقتصاد الذكوري الأبوي، مما يشكّل بؤرة استبداد قائمة بذاتها، كما أنّ توصيف المساواة الجندرية بالاستبداد لغط كبير؛ فالمساواة ليست استبداداً، إنما مواجهة للاستبداد وما يتبعه من أزمات اجتماعية.

تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .