الرئيسية كتاب وآراء مــــأســـاة حمـــــار …… بقلم  ذ .محمـــادي راســـي

مــــأســـاة حمـــــار …… بقلم  ذ .محمـــادي راســـي

كتبه كتب في 4 ديسمبر 2019 - 12:59 م

 

 

جريدة البديل السياسي  :                                بقلم  ذ .محمـــادي راســـي

 

مــــأســـاة حمـــــار 

 &&&&&&&&&&                  

                لم استيقظ على صوت هرة    تموء كما حدث للمنفلوطي  ،وهو يتحدث عن الحرية ،وإنما استيقظت على صوت حمار وهو ينهق نهاقا شاهقا ، ويمعي بتضعيف العين ويمعو بضمه ، ويزيط زياطا كثيرا ،    إن أنكر الأصوات لصوت الحمير، ذلك الحمار لم يكن قريبا مني ، لا أقدر على محاورته كما فعل توفيق الحكيم مع حماره الذي فتح معه نقاشا حول الحرية والسياسة وإنشاء الحزب ورأيه ،وكان رأيه واضحا في استهجانه لكبرياء البشر ، وليس بالحمار الصغير الذي سماه الشاعر الإسباني   خوان رمون خيمينيث ، "بلاتيرو"الذي نال جائزة نوبل حول ذلك الكتاب بعنوان "بلا تيرو إي جو " platero y yo" ، كنت أراه من النافذة وهو يرعى عشب الحديقة بنهم ، يفر من صاحبه لا يريد الانصياع والانقياد ، والاستعباد والاستبداد ، لأنه ينثم عليه بالضرب ،ويوتغه بالوخز إلى أن ينبعث الدم من مكان الوخز، ثم يسبه ويلعنه  ويستفزه وهو حامل حمولة ثقيلة ، لا يقدر حتى على المشي ، تعوج أرجله يكاد أن ينطرح أرضا ، متسخ وفروته مغبرة لتمرغه في التراب والمراغة ، يتركه طوى نهارا ، وفي العراء ليلا ، يقاسي ويعاني من شدة البرد القارس شتاء ، لذلك يهرب إلى الحديقة حيث العشب والأزبال ،وفي النهار يحمل عليه أثقالا يطوف به في الشوارع والقرى و"المداشر"، مع الضرب والوخز ،بدون رحمة وشفقة ،لو رأته جمعية الرفق بالحيوان لسجنته ولعاملته كما يعامل حماره ،هذا الحمار الذي خدم الإنسان القديم ، ويخدمه إلى يومنا هذا ، فهو من وسائل النقل : وهو  السيارة والناقلة والحافلة والشاحنة بدون كلفة جمة ،لأن الألفة تكلف الكلفة ، ويقطع طرقا لزبة ضيقة ،ومسالك وعرة ، بدون عياء وشقاء ، صابرا محترقا داخليا ،ما لا تستطيع عنه سيارات ذات الدفع الرباعي والعادية والعربات …  

                   الحمار ذكي وإن كان البعض يضرب به المثل في الغباء ،يحكى أن حمارا كان يحمل على ظهره ملحا ،  وذات مرة سقط في حوض ولما نهض أحس بالخفة ،فكرر ذلك بعض مرات ،وقد أحس به صاحبه ،فوضع على ظهره الإسفنج ،  وحينما وصل إلى ذلك المكان سقط ، ولما نهض ليستمر في السير وجد الحمولة ثقيلة ، ومن ذلك اليوم لم يعد يكبو عمدا ،   والحمار إذا لم تحسن ركوبه أو عاملته معاملة قاسية ،أسقطك وأوقعك أرضا ، فستشعر بآلام شديدة مثل معاملتك القاسية .

                     فرفقا بالحمار الذي يحس وينتبه أكثر من الإنسان،إذا ما قدم شيء غريب ،وإذا أذيته فإنه سيلبطك ،سينهق في وجهك ،وسيعمل على فضحك أمام الحيوان والبشر،فاسقه ماء واعلفه تبنا وحبا … لأنك سوف لا تستغني عنه ، فهو السيارة الأولى بدون  رخصة السياقة ، ولا الورقة الرمادية ، ولا ورقة التأمين ، ولا ضريبة السيارات …..فإذا نفدت الطاقة لا بد من الرجوع إليه والرجوع إلى الأصل أصل . 

                 أحيانا الإنسان هو الذي يكون جحشا غبيا  ، حينما يظن الناس حميرا، يستغفلهم ، يستغلهم ويستبد بهم ، لا يقدم أي منفعة إلا الابتزاز والاستفزاز  ،فالحمار أنفع خدمة ،يقوم بعمله بعيدا عن التسويف و التماطل ،وهو صبور كالجمل على العطش والجوع ،فقيل له  وهو كنية : أبو صابر، وأبو زياد ، وإن كان أبو صابر يقال للملح أيضا ، كقول الشاعر :

زياد لست أدري من أبوه // لكن الحمار أبو زياد 

                  في الحمار قيل الشيء الكثير ، ففي الحمار الذهبي للوكيوس أبوليوس ؛ وقائع تقع له مع الناس ،واصفا عقليتهم المتحجرة وسلوكهم المتعجرف السلبي تجاه الآخر بدلا من الصبر والتسامح ، وأمريكا ذات القوة والحضارة جعل حزبها الديمقراطي الأمريكي الحمار شعارا له للإشارة  والدلالة على الصبر ،وثمة جمعيات بشعارات تشير إلى الحمار:كجمعية أصدقاء الحمير ،وجمعية الحمير المصرية لها بعد إنساني وحقوقي ،وهناك تماثيل نصبت للحمار في بعض الدول ،لما له من أهمية في حياة الإنسان في الحرب والسلم والمواصلات ،والصعود إلى الجبال وقطع المسالك الصعبة والمسافات الطويلة ، وفرنسا خصصت يوم سادس أكتوبر  من كل عام يوما للحمار ، وحتى في عهد عمر بن الخطاب أثيرت المسألة الحمارية في الميراث ، وسميت بالعمرية وباليمية أو الحجرية ، وبالمشركة أو المشتركة ،والشاعر "روبين داريو" له قصيدة في حوار "سان فرانسيسكو دي أسيس" مع الذئب الذي يرد عليه قائلا : فحتى الإنسان فتاك يقتل الحيوانات ،يتصف بالحقد والغدر والخيانة والقتل ، وغيرها من الصفات السلبية ،وينصحه أن يذهب إلى قداسه ، ويشتغل بدينه ، وعليه أن يتركه ليعيش حرا طليقا … 

وقد قال مارون عبود "كلما ازددت معرفة بالإنسان 

ازداد إعجابي بالحيوان "  

                 إن صاحب الحمار يترك حماره  عمدا لتقتيره ، فما على الحمار إلا البحث عن الأكل ، فيتجه إلى الحديقة ويعرف أنه لا يحجز عليه ، لأن في حجزه يكلف  الكفالة والعيالة من طرف الحاجز، ثم يبحث في القمامات والمزابل ،وقد يتعرض للتسمم ويبقى مهملا ، لا أحد يدفنه لأنه لم يعد نافعا إلى أن يبقى متعفنا تنبعث منه روائح مزكمة للأنوف ، إن في هذا لمنكرا واضحا وجرما سافرا ، ففي حديث لرسول اللهً "صلعم " يشير إلى الرفق بالحيوان وقد تحدث عن المرأة التي حبست الهرة ،ففي الصحيحين : "دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ".

                 رأيت الحمار ثانية حاولت أن أدنو منه لأسأله وأحاوره ، ولكنه شرع في الركل والزعق والنهق ، وبعد الاستئناس قلت له حدثني عن أصلك وفصلك …فقال : أنا من جنس الحصان، منه ما هو أهلي ، ومنه ما هو وحشي ، هناك الحمار الوحشي ،وحمار الزرد ،والحمار البري ،والحمار من فصيلة الخيليات ،وهناك ما هو مهدد بالانقراض …..

قلت  له ما هذا النهيق ؟ قال : أحس بالضيم والقهر والاستبداد والظلم  والتعذيب والجوع والتبعية والتأمع إلى أن صرت إمعة منذ أن ولدت بهذه المدينة ، لو فك الله عقدة لساني ،ومنحني النطق ، لفضحت سلوك وتصرفات الإنسان الذي يستأتنني ،وما يقوم به من فساد ورشوة وسرقة ، ولحللت جميع المشاكل والأزمات الاقتصادية  والمالية والاجتماعية والسياسية واللغوية ، ولمنحت الحرية لباقي الحيوانات لتذهب أنى شاءت ومتى أرادت بدون قيد ولا حقيدة ولا إحنة ، ولا قساوة ولا شرط ولا وصي ……ااا

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .