الرئيسية كتاب وآراء    استـــــراحـــــة  …:   بقلم ذ.محمادي راسي  

   استـــــراحـــــة  …:   بقلم ذ.محمادي راسي  

كتبه كتب في 19 أكتوبر 2019 - 2:55 م

 

جريدة البديل السياسي /                        بقلم ذ.محمادي راسي /

 

مـــن الأرشــــيف             استـــــراحـــــة 

""""""""""""" &&&&&&&&&&

 

                   جلست في المقهى ليلا بعد صلاة التراويح، تحت شجرة مخضرة تزداد جمالا بإنارة المصابيح الكهـربائية، تتمايل أغصانها كأنها ترقص أو تـريد أن تحاورني لأنها رأتني وحيدا كاليتيم، ربما شعـرت بي، وأنا لم أحفل بها لكونها شجرة فقط، واقفة جامدة عاجزة عن النطق لولا النسيم لما تحـركت أوراقها، ومادت فـروعها.

                  ليلة صيفية رمضانية في شهر الحرارة، أحسست بذلك النسيم العليل البليل الذي دب في جسمي فاقشعـر جلدي لأن اللباس صيفيّ، ولكن بعث في كياني وأحشائي نشاطا، بعد أن كنت في النهار فاشلا خاملا، من جـراء الجوع والعطش، في هذه الجلسة الهادئة استرددت قوتي  التي فقدتها في النهار وأنا صائم، فعـرفت قيمة النسيم وحكمة رمضان.

                باحة المقهى تشرف على الرصيف، أثار انتباهي شجرة ذات سوق باسق رقيق، يشبه ذات القد الرشيق، خفيفة الأغصان رأيتها كأنها تصلي، لأن الريح الخفيفة التي تحركها تجعلها كأنها تركع وتسجد، فراقتني تلك الحركات الطبيعية والمنظر الذي يجمع بين الظلام إذا نظرت إلى السماء، والضياء حيث أضواء المصابيح إذا نظـرت قبالتك وإلى الأرض، فكأنني أمام ركح المسرح، فقلت همسا ؛إن منظر الليل في هذا الفضاء أفضل من منظر النهار، لأن الأضواء والأشجار في ميدها وميسها وركوعها وسجودها وظلالها تشكل لوحة فنية طبيعية.

                    أحضر النادل سوملة قهوة ، فكرتني بقارئة الفنجان لنزار قباني، ولأن أغنية [رسالة تحت الماء] المنبعثة من أبواق المقهى هيمنت على باحتها الرحبة. ولما تداعت الأفكار فكرت في حالة الشعب السوري ــ والليبي واليمني ..ــ الذي يعاني من الظلم، ويتعرض للقتل والفتك،  يريد الحـرية والكرامة والعيش الكريم والحق في العمل، ليشعر حقا أنه مواطن سوري ينتمي إلى وطنه، لو كان الشاعر نزار حيا لنظم قصيدة أكثر هجاء من قصيدته[عنترة] التي يقول فيها : 

[هذي البلاد شقة مفروشة، يملكها شخص يسمى عنترة

يسكر طوال الليل عند بابها، ويجمع الإيجار من سكانها

ويطلب الزواج من نسوانها، ويطلق النار على الأشجار

والأطفال.. والعيون.. والأثداء.. والضفائر المعطرة].

                   القهوة التي كنت أرشفها زادتني نشاطا وحيوية، ونبهت خلايا مخي، ولكن ؛لم  أحفل بما ينقل جهاز التلفاز المركون في الباحة ، وقد تحلق وتجمهر حوله الرواد، وهم يدخنون ويدردشون ويشعرون بالراحة والاطمئنان، بعد أن صاموا اليوم كاملا، ثم راودتني علاثة أفكار من أبيات شعرية، ومأثورات مسترجعا صورا وذكريات مضت، ومفكرا فيما سيأتي، ونسيت زهاء الريح، وفضاء المقهى، وما كان  بقربي من الجالسين، فطـرت كالطائر ووصلت إلى أماكن بعيدة، ربما إلى سدرة المنتهى أو إلى جنة المأوى ، وعشت في أزمنة خيالية ومع التيه والهوس نسيت مكاني وزماني. وبعد لحظات نزلت سيدة ذات قناع من سيارة الأجرة في العشرينات من عمرها تقريبا ومعها طفلة صغيرة ، لم تكن حالتها سيئة وأثوابها رثة ، ك ؛"الأرملة المرضعة " التي وصفها معروف الرصافي في قصيدته التي تعتبر من روائع الشعر العربي …..طفقت توزع أوراقا بكتابة مطبوعة، تعرف فيها بنفسها وما لها من مشاكل، تضعها على موائد الجالسين… تأثرت بما قرأته وشاهدته مع طرح أسئلة  عديدة ….فنسيت عالمي والمشهد الشعري وما كنت فيه، وما كان يتردد في ذهني وخلدي، فانقلبت استـراحتي إلى قلق وحزن، ثم حضرني هذا البيت الشعري:

سادتي إن في الوجود نفوسا ’’’’’ ظلمتها الأقدار ظلما شديدا

قفلت إلى الدار حـزينا متأملا أوضاع المحتاجين والمشردين والمتسكعين والمتسولين  واليتامى… لا تستطيع أن تستـريح وتــرتاح وأنت أمام مشاهد مؤلمة مشينة …..

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .