الرئيسية روبورتاج و تحقيق أحلاس بين العربية والأمازيغية

أحلاس بين العربية والأمازيغية

كتبه كتب في 14 سبتمبر 2019 - 2:24 م

جريدة البديل السياسي :  محمد قشتو – المغرب/

كنت أقرأ المساء في كتاب ((البواكير)) للطنطاوي فسررت كثيرا لما اكتشفت فيه لفظة لم أقرأها يوما في كتاب ما، إلا أن يكون قرأتها دون استيعاب، وهي لفظة ((أحلاس)) والذي شدني كثيرا عندها هو أنها نتلفظ بها نحن الأمازيغ ونقصد بها ذلك الكساء المحشو الذي يوضع على ظهر البعير قبل رحله، فقرأت تلك الفقرة التي توجد فيها هذه اللفظة غير مرة وأنبأت بها رفاقا من أبناء بلدتي وفسرت لهم معناها بما شرحها بها في الحاشية جامع الكتاب حيث قال: ((وأحلاس من قولنا: حلس بالمكان وفيه، أي لزمه وأقام فيه، فهو حلس وأحلس. ويقال: هو حلس بيته: لا يفارقه، والجمع أحلاس [مجاهد] {{البواكير ص؛ ١٧٠}} )).

حتى اتضح المعنى وانجلى الغموض، فسعدت كثيرا أن لفظة في اللهجة الأمازيغية تعني في اللغة لزوم الشيء وعدم مفارقته إلا في القليل الناذر. إلى هذا الحد، لم أفكر بتاتا في كتابة هذا المقال القصير في ذات اللفظة وحدها، لكن فضولي في التنقيب عن معناها والإستزادة من بيانها دفعني لأبحث عنها وما قيل فيها نثرا وشعرا، وفي طور بحثي وجدت في مواطن غير قليلة من أمهات كثيرة ما عجبت له إعجابا وعجابا شديدا وسررت به سرورا يطفو على قنن الجبال التي تدور ببلدتي الحبيبة..

على رسلك أيها القارئ، لن أزخرف عليك هنا الكلمات أوأنمق لك العبارات، سأنبئك أني وجدت في هذه المواطن أن معنى الأحلاس باللغة العربية الفصيحة هو نفسه معناه باللهجة الأمازيغية، وهذا في غاية العجب، لقد درست في المدرسة ما يزيد على خمس عشرة سنة واستمعت لمحاضرات شيوخ أجلاء وقرأت كتبا نفيسة جليلة فما وقفت فيها على أن ((أحلاس)) معناها باللغة العربية هو نفسه باللغة الأمازيغية.

لا شك أنك تتساءل أيها القارئ عن هاته المواطن التي رأيتها فيها بهذا المعنى، وأنا سأخبرك من باب الإعلام من أجل تيسير سبيل البحث ثم من باب الأمانة العلمية في نسب المعارف لأصحابها، فهاك هي ذي مفصلة: ففي[[أمالي المرتضي]] يقول صاحبه؛ والأحلاس جمع حلس بالكسر، وهو كساء رقيق يكون على ظاهر البعير تحت رحله. ثم [[الإشتقاق لإبن دريد]] حيث يقول في معرض الحديث عن إشتقاق أسماء رجال بني كعب بن لؤي: وخليس د: تصغير حلس، وهو كساء يطرح على ظهر الدابة تحت الإكاف. وفي [[الجراثيم لإبن قتيبة]] حيث يقول: وأحلسته بالحلس، هو الكساء الذي تحت البرذعة.

وقس على غيرها من كتب المعاجم واللغة فيما تعرضت له في بيان المعنى. لكن الإشكال في هذا سيدي القارئ – لا شك أنك قد تنبهت إليه – ليس هو في إتفاق اللفظة بين اللهجة الأمازيغية واللغة العربية الفصيحة، بل هو كيف نجمع ونزاوج بين هذا المعنى الذي وقفت عليه في هذه المواطن التي أسلفت ذكر عناوينها وبين المعنى الأول الذي وقفت عليه أول الأمر في كتاب الطنطاوي؟ وهو معنى جميل وصحيح، بحيث نجد ابن جني هو الآخر في خصائصه يعطيه نفس المعنى حيث يقول: ((وقالوا: فلان حلس بيته إذا لازمه)) وقد أسلفنا أن أحلاس جمع حلس، وهذا المعنى هو السبب الذي قادنا في الأصل لكتابة هذا الذي نكتبه الآن .

وجواب الجمع بين المعنيين في طور بحثي وقراءتي لمعاني اللفظة وجدته عند العلامة أبو بكر الأنباري في كتابه المفيد (( الزاهر في معاني كلمات الناس )) حيث يقول في هذا الصدد: [[والأحلاس مأخوذة من الحلس، والحلس كساء تحت البرذعة يلي ظهر البعير ويلزمه، فشبه الذين يعرفون الشيء ويلزمونه بهذا الحلس]] وزد على ذلك الحديث الذي يروى (كن في الفتنة حلس بيتك). وفي الأخير أنظر معي أيها القارئ الكريم هذا التمازج والإتفاق بين معاني الكلمات رغم أنها متفقة اللفظ متعددة اللسان، ويحق لي ولك سيدي القارئ أن نتساءل كيف حصل هذا التمازج وهذا التوافق في لفظة ((أحلاس)) لفظا بين اللغة العربية الفصيحة وبين اللهجة الأمازيغية بالدرجة الأولى، ثم بين المعنيين بالجمع بينهما في اللغة العربية ؟ لعله سؤال بحث نجيب عنه بمقالة أخرى إذا تم لنا ذلك وسهل علينا طريقه إلا أن يستحيل فقط، فكل ممكن فهو سهل مهما طالت الطريق في البحث عنه. محمد قشتو – المغرب

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .