الرئيسية منبر البديل السياسي شجن حزين على تمني طنطاوي

شجن حزين على تمني طنطاوي

كتبه كتب في 2 سبتمبر 2019 - 12:44 ص

جريدة البديل السياسي محمد قشتو – المغرب/

كتب الشيخ علي بن مصطفى الطنطاوي – رحمه الله تعالى – يوما للناس في الجريدة في كلمة له تحت عنوان؛ ((مرحبا بالغارات))، فربطت قوله الذي مضت عليه سنون عديدة وأزمنة مديدة بواقعنا الحالي، فوجدت أن تمنيه قد وقع، ووجدت أنه شتان بين سورية الحبيبة العروس الجميلة التي كان يصفها الشيخ في كتاباته الأدبية وبين سورية العقد الثاني من مطلع هذا القرن كأنها عجوز شمطاء أكل عليها الدهر وشرب، فتعجبت أشد العجاب كيف سقط ذلك الجمال والبهاء السحري كله بواسطة الحرب.. نعم بهذه الآفة المدمرة، ولم أتوانى في طاعة قلمي وتدوين شجوني لما يخوض ويمخر في لواعج أحاسيسي إزاء ذلك.
وهذه قولته من ضمن ما نشره في ذلك اليوم، جدد الله عليه الرحمات: [وأنا أتمنى والله (وإن كره بعض القرآء) أن تتوالى علينا الغارات، وأن نذوق لذع الحرب، ونكوى بنارها، ولو كان في ذلك خراب دور من دورنا، وقتل ناس من أهلنا]

لما كتب الشيخ علي -رحمة الله عليه- هذه الكلمة في زمانه لعل أحد الصالحين من قرآء كلمته هاته قال أمين إن شاء الله.. فمن عاش في هذه السنوات الأخيرة يدرك ما أقوله، فلم تتوالى الغارات فقط على دمشق وحلب ودرعا ومعظم سورية الحبيبة، بل أصبحت جزء لا يتجزأ من سنونها الأخيرة، كل الغارات التي نشبت نيرانها في الدول العربية تحت مسمى الربيع العربي خمدت أغلبها وعرفت هدنات كثيرة إلا دولة سورية الحبيبة، فقد ذاق أهلها أشد لاذعات الحرب، حتى اجتوى بعضهم حاله ومقته وحرق مقلتيه بالدموع البواكي. وأنا في هذه التعليقة أسأل القارئ المتابع لحال سورية منذ متى وهي تكوى وتحترق بنار الحرب؟ إختلط الحابل بالنابل حتى سار البعض لا يعرف الحق من الباطل ولا يميزه..
أتذكر الربيع العربي والحرب في سورية لما كنت أخرج في أيام الإمتحان الجهوي للحدائق والمنتزهات التي ترتاح فيها نفسي ويهنأ فيها عقلي للمذاكرة مع بعض الأصحاب والخلان، فحدث يوما أن جاز بنا كهلا من الكهول لا نعرفه من قبل فجلس إلينا بعد السؤال والسلام، وأنسنا من طرف حديثه شيئا قليلا.. ولم يفت مجلسنا معه الحديث عن الربيع والتأسف على الخراب الذي ألحقه بالدور والبشر، كل هذا أتذكره بالحرف وقد أنهيت الثانوية وتخرجت من الجامعة وعلى مشارف الترشح لسلك الماستر أو لإجازة أخرى ولم تنته الحرب بعد في سوريا.. وإن لم يأذن الله بالكفاية -وإياها نسأله- فلا نعرف بما ستسفر به هذه الحرب .
رحمك الله أيها الشيخ -علي- فكل الدور قد خربت، وأصبح السوري لا يأمن إلا في بلاد غيره، ومتى تكون الغربة آمنة وسالمة للمرء من التراب الذي حواه إلا إذا يئس من حاله وأعياه إنتظار الفرج؟ -ونعوذ بك الله من اليأس والقنط- فلو شهدت الحال والمآل لنجوت الله في السر والعلن بالليل والناس نيام، فلا عادت دمشق اللؤلؤة المنضوضة كما تعرفها، ولا بقيت درعا ياسمينة الشام كما تركتها، وهلما جرا على كل الحواضر والبوادي، خرت دمشق لله سجدا وبكيا، وذبلت درعا من كثرة المتربصين بها.. فلا عاش من كان السبب ومازال، ولا بارك في عمر من ساعد وأختبأ..
جدد الله عليك الرحمات يا -شيخ- فكل هذا الخراب والدمار وكل هذا الفقد الذي ذاقه أهلنا في سورية وتجرعوه، لم يجعل العرب وحكامها يستيقظون من سباتهم المبنج، فقد ألفوا القعود والخمول والكسل والتكاسل فلم تذكرهم الحرب في سورية بعهدهم الأول حيث حياة الجهاد ومكابدة الأهوال العظيمة والخطوب القاسية .
كنت يا شيخ -والله- تظن أن الحرب ونارها ستحرق جلد هؤلاء حتى يفزعوا ويتعظوا ويعرف منهم الجد الذي هو أصلهم، والجهاد الذي هو عنوانهم، والشجاعة التي لا تكاد تعرف إلا بهم، لكن الأمر لذات اللحظة لم يحرك فيهم ساكنا .
يا ويل هذه الحرب التي أجبرت نساء الوطن الجريح يعانقن الغربة ويلجأن إلى الوقوف أمام أبواب المساجد بعد الصلوات ليذرفن دموعا حرى طلبا للعون واستنجادا بألوا القلوب الرؤوفة، من كان يظن أن العفاف الشامي والبراءة الشامية في ثوبهما العرفي الساتر ستمتلئ بهما مدن المغرب الكبيرة.. فالله الله في هؤلاء الضيوف والأحباب والإخوان والعائلات…
من منا لا يتذكر الطفل عمران، وصوره التي تغني عن كل الأوصاف؟ ومن منا لا يعرف تحالفات بشار -قطع الله دابره- على أبرياء سورية؟ نحن جميعا نعرف طائرات الحرب ومدافع الصواريخ والقنابل لمن تعود، ولمن له الفضل في ذلك كله.. ألا فارفقوا باخوانكم وأبناء عروبتكم فالعدوا قد شمت بنا وبخلافاتنا الواهية.. ألا يمكن أن نتفق مرة واحدة ونتحد؟
تبا لهذه الغارات التي توالت على سوريا حتى فاتت حدها وأجبرت الصغير والكبير للعيش في الملاجئ، وأي شيء أكبر هولا من هاته الأهوال التي كابدها وعاشها هؤلاء المستضعفون، سفكت دماء معظم أهاليهم، وخربت دورهم من طابقها إلى ساسها.. فأي شيء تبقى بعد اللجوء، سوى اللجوء إلى الله وحده .
وإن اليهود لعنة الله عليهم قد دخلوا في تحالفات كثيرة في الحرب على سورية، منهم من يزعم أنه بجانب الثوار، وآخرون يزعمون أنهم مع بشار الصعلوك، وطائفة بين ذلك تزعم هي الأخرى أنها تدافع عن الإنسانية، وأية إنسانية والحرب في سورية على مشارف إستكمال عقد كله خراب ودمار ذاق فيه المستضعفون أشد نائبات الزمن ورزاياه، وأكتوت جلودهم بالنار والجوع، وأين السلام والأمن من هاته الدول المتكالبة على مصالحها على أرض سورية فقط.. لقد بلغ السيل الزبى وليس في مقدورنا سوى أن نرفع أكف الضراعة إلى الله تعالى أن يفك كرب سورية الحبيبة.
إن مرد هذا كله هو تخادل دول العرب فيم بينهم، وتحالفهم مع أعدائهم، إننا أمة يتحدث عنها التاريخ في كل الأزمنة والعصور، أمة يتحدث عنها القاصي والداني، أمة كان فيها أبا بكرووعمرا وعثمانا وعليا وخالدا وسلمانا وصهيبا، وإن سر قوتها في إتحادها، فلم الإنسلال إلى العدو واتخاذه صاحبا صديقا حليفا على أبناء ديني قبل عروبتي.
أيتها الشعوب العربية إنكم تدمرون تاريخ مجد وحضارة بناه وشيده أبطال أشداء وزعماء أقوياء من قبلكم، فلم لا تسيرون على نهجهم وتقتفون آثارهم، ألهذه الدرجة عجزت أرحام نسائنا أن تلد خالدا في الشجاعة، وعمرا في العدل، والخطابي في مواجهة العدو.. أليست سورية – فك الله كربها – بضعة من جسدنا الإسلامي العربي؟ ألا ترفق أيادي المغرب الأقصى والشرق الأوسط والخليج العربي بمسح الدموع الحرى التي تسيل بها وجنتي الشام وتجري بها مآقيها؟
رحم الله الشيخ علي ولم ننس له مواقفه في الإستعاذة من عواقب الحرب ودمارها الفتاك، لكنه فقد كان ما قاله ومازال كائن، حتى تدخلت أمريكا وألمانيا وروسيا و..و..و..و فإلى متى يستمر هذا الوضع وهموم الشعوب العربية في واد وحكامها في واد آخر؟

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .