الرئيسية البديل الوطني ثورة الملك والشعب مغزى وطموح.

ثورة الملك والشعب مغزى وطموح.

كتبه كتب في 20 أغسطس 2019 - 1:03 م

جريدة البديل السياسي:

في كل سنة يعود يوم 20 غشت، وتعود معه ذكرى ثورة الملك والشعب المجيدة، ويعود مواطنونا الأعزاء الكرام مرة أخرى إلى الاحتفال بها وتمجيدها.
  إن يوم 20 غشت يوم عظيم في حياتنا الوطنية إنه اليوم الذي أقدم فيه مناضلوها بجرأة وبسالة على تفجير الثورة لوضع حد لطغيان الإستعمار الذي عطل سيادتنا، وعبث بمقدساتنا، وداس كرامتنا، وسامنا الهوان في عقر ديارنا.
   نعم، إنه يوم بداية الثورة لتكسير القيود من أجل الإنعتاق والتحرر والكرامة.
   ومواطنونا المحبون للحرية، المعتزون بالكرامة، العاشقون للعزة، الطامحون إلى الأمجاد والمكارم والرقي، المفطورون على كره الظلم والطغيان واباء الظيم يحبون هذا اليوم، ويحيونه ويرحبون بمقدمه في كل عودة من عوداته ليحيوا فيه النضال والمقاومة ويكرموا الفداء والبطولة، ويشيدوا فيه بالحرية والكرامة والعزة، ويتغنوا لفضائلها ومزاياها، وليجددوا العزم على الوفاء لمقدساتنا الوطنية، والحفاظ عليها، والدفاع عنها بكل الجهود في جميع الأحيان.
    ويقينا إن يوم ثورتنا من أجل انعتاقنا وتحررنا هو يوم تأكيد حبنا للحرية والكرامة، وتجديد العهد للوطنية المغربية وغاياتها ومطامحها، وهو يوم تمجيد البطولة والرجولة والتضحية من فوق جميع المنابر في مهرجانه الكبير في التراب الوطني.

 مغزى الذكـرى:
  عندما يحل يوم 20 غشت من كل سنة يبادر مواطنونا أجمعون في كل ربع من ربوع الوطن وأينما كانوا في الخارج إلى إقامة الإحتفالات والمهرجانات تخليدا للذكرى الجليلة التي يمثلها في تاريخنا الحديث التي هي ذكرى المقاومة والتحرير لاسترداد الإستقلال الوطني.
     ولا عجب في هذا فيوم 20 غشت يوم خالد من أيامنا التاريخية يذكرنا بالإنطلاقة الوطنية الجسورة التي وجهت مواطنينا وعباءتهم في زحف سيلها البطولي الجارف لمقاومة الإستعمار الأجنبي وتحرير أرض الوطن من نيره وظلمه لكي يحيوا في ظل الإستقلال أحرارا سادة كراما.
     فهو، إذا وبكل فخر، يوم المقاومة والتحرير من أجل استرداد الإستقلال والدفاع عن مقدسات الوطن وكرامة المواطنين.
   الإستقلال للوطن شرط أساسي لممارسته مسؤوليات السيادة وطنيا ودوليا
   والحرية للمواطن الإنسان شرط أساسي هي الأخرى لممارسة مسؤوليات المواطنة والسيادة داخل الوطن وخارجه، وللتمتع بالكرامة أينما حل وإرتحل.
      إن الإلتحام بين الوطن والمواطن يثمر "الوطنية" (أو الحب الوطني) الذي يجعل المواطن وطنيا مناضلا ومقاوما يحب مقدساته ويتمسك بها، ويناضل من أجل تألقها في العالمين، ويدافع عن بلاده ويفدي مواطنيه بكل ما عز وغلا.
      لهذا كان الإحتفال بتخليد ذكرى يوم 20 غشت سنويا واجبا وطنيا.
     والشأن في الذكرى أنها تعود بالعقول إلى أصلها ومنطلقها فارضة عليها الإخلاد إلى التفكير في أسبابها وأحداثها، وتتبع شريطها، والتدبر فيها، وفي أسلوب سيرها، والتأمل في غايتها ونتائجها وأبعادها.
    إن الذكرى التي نخلدها بإحتفالنا بيوم 20 غشت هي ذكرى ثورتنا لاسترداد الإستقلال والرقي بالمغرب إلى المكانة اللائقة به في العالم.
     وثورتنا من أجل هذه الغاية حق وواجب..
    والثورة لا تموت أبدا بل إنها خالدة في روحها وغايتها ومبادئها وخاصة إذا خلفت شهداء أبرارا يشهدون على مسيرتها..
    لم نحصل على الإستقلال هبة أو منحة أو هدية…كلا وإنما استرجعناه بفضل نضال منظمات مقاومتنا وطلائع جيش تحريرنا، وتضحيات رجالها الافذاذ، وبفضل استشهاد شهدائنا وحسن بلائهم.
    هذه هي الحقيقة، وليست هناك أية حقيقة أخرى غيرها.
    فلنكن حكماء ومنطقيين منصفين لأنفسنا ولشهدائنا ومناضلين ومقاومينا الأبطال ولتاريخنا..
    أما المفاوضات فلم تكن إلا وسيلة سياسية ودبلوماسية أخيرة لجأ إليها الإستعمار مضطرا لستر هزيمته وعجزه بقصد انقاذ ما يمكن إنقاذه!
       كانت ورقته الأخيرة التي لعبها في آخر الأمر لكي لا يخسر كل شيء.
      والبرهان على هذا معروف.
      فلقد كان جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، يطالب مرارا وتكرارا، بتبديل اتفاقية الحماية باتفاقية أخرى تعترف للمغرب باستقلاله..وكان يقابل في كل مرة وكرة بالمراوغات وبشتى أنواع التضليل والمماطلات التي كان أساطين الإستعمار يقصدون من ورائها كسب الوقت الضروري لضرب المغرب ضربة قاضية.
    كل هذا يفرض علينا ونحن نحتفل بيوم 20 غشت أن نفكر في عمق مغزى ذكراه العظيمة وأبعادها اعتزازا ببطولة مناضلينا ومقاومينا وأعضاء جيش تحريرنا الذين تقدموا إلى ساحات الواجب ملبين داعي المغرب للدفاع عن شرفنا الوطني بأمر من وطنيتهم الصادقة، وحفز واع من ضمائرهم الأبية.
   وإكبارا لتضحياتهم، وإجلالا لوعيهم ونبل إيثارهم يجب علينا أن نذكرهم في كل حين، وخاصة في هذا اليوم العظيم، بالخير والتنويه والإعجاب والتقدير.
    عندما تقدموا إلى ساحات الواجب كانوا جنودا مجهولين لأن ظروف النضال والمقاومة فرضت ذلك، وظلوا كذلك وهم الأبطال المشهورين الذين صرنا جميعا بفضل تضحياتهم معروفين بعد أن أجبرنا الإستعمار أن نمسي في ظلامه الدامس نكرات لا يعرف لنا فضل، ولا يحسب لنا أي حساب، ولا يقام لنا أي وزن.
    الذكرى عظيمة كما نرى: بل إن عظمتها لتتجذر في تاريخ مغربنا الحديث وتكبر حتى تكون تتويجا تاريخيا لنضال مواطنينا منذ بداية القرن العشرين من أجل الإستقلال الوطني.
    من أجل عظمتها هذه تستحق منا الإهتمام الزائد، والعناية الدائمة، وتتطلب منا التفكير والتدبير والتأمل.

      حالتنا قبل 20 غشت 1953
    فرضت علينا اتفاقية الحماية يوم 30 مارس 1912 لأسباب كثيرة أهمها هو أننا لم نكن قادرين على الدفاع عن بلادنا للحفاظ على استقلالنا.
    هذا السبب المهم يطلب منا في كل حين، ونحن في عهد الإستقلال، أن نهتم كثيرا بشؤون تقوية بلادنا وزيادة قدراتها الإنتاجية في جميع الميادين لنكون دائما أقوياء وقادرين على الدفاع عنها للحفاظ على الإستقلال.
    باسم الحماية جربنا الإستعمار والإحتلال الأجنبي لبلادنا، وكانت التجربة محنة قاسية، وما لحقنا في هذه الفترة الحالكة من أضرار وخسائر كبيرة وكثيرة أضخمها هو الإساءة إلى حريتنا وكرامتنا الإنسانية، وتوقيف ممارستنا للسيادة والإستقلال، وتعطيل تمتعنا بمواطنتنا كاملة مدة 44 سنة.
    رفض مواطنونا الحماية فور علمهم بإبرام اتفاقيتها…وحدثت الثورة الأولى ضدها في فاس عاصمة الدولة آنذاك…
    ثم توالت الثورات بعد ذلك في الجبال، والسهول، والصحراء، في الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب سالت أثنائها دماء مناضلينا ومقاومينا في كل ربوع مغربنا دفاعا عن حريتنا واستقلالنا وسيادتنا وكرامتنا..
    جنود المغرب البواسل في هذه الفترة كانوا مواطنينا الوطنيين من الثوار والمناضلين، هم وحدهم كانوا وجدانه الوطني الحي الواعي…هم الذين كانوا يجاهدون ويقاومون ويناضلون باستمرار، ويعانون في صبر وصمت راضين بقدرهم في الدفاع عن مقدساتنا الوطنية.
    طيلة مدة الحماية لم يعرف الإستعمار والإحتلال الأجنبي لبلادنا راحة بال ولا إطمئنانا رغم الهدوء الوقي والظاهري الذي كان يسود في بعض الأوقات وفي بعض الجهات.
      وما أن سكت صوت البارود في الجبال حتى قامت الحركة الوطنية تناضل سياسيا وتزعج الإستعمار إزعاجا بمطالباتها ومظاهراتها وصحافتها وخطبها..واشتباكاتها في الشوارع ومواجهتها في المحافل الدولية..
    وشارك المغرب إلى جانب فرنسا في عدة حروب، وكان يطمح بذلك إلى اعترافها باستقلاله جزاء له وتقديرا على مشاركاته كما فعلت دول أخرى غيرها…
     لكن ما حدث كان هو العكس، فما أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها حتى عاد الإستعمار أشرس من ذي قبل في ممارسة أعماله العدوانية ضد مواطنينا.
     وفي الوقت الذي كان الناس في العالم ينتظرون حياة جديدة في عهد أفضل عادت السلطات الإستعمارية تطبق سياسة الإبادة والتفقير والتجهيل والتجويع..
     كانت الحياة في المغرب جميلة للمستعمرين الأجانب ولمن تعاون معهم، وللغافلين الساذجين من مواطنينا وأما بالنسبة للوطنيين فقد كانت قاسية وصعبة..
    نالهم فيها عناء وعذاب…لكنهم صبروا وصمدوا.

   القصر الملكي في طليعة المواجهة
   رأى الإستعمار في جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، الذي كان يطالب باستمرار بالغاء اتفاقية الحماية وتبديلها باتفاقية أخرى تعترف للمغرب باستقلاله خصما كبيرا..
   وشرع غلاة الإستعمار يدبرون له المؤامرات، المؤامرة تلو الأخرى للتخلص منه والإطاحة به.
   وعندما عزم جلالته على القيام برحلته الملكية إلى مدينة طنجة وحدد موعدا لها يوم 9 أبريل 1947 نظم غلاة الإستعمار مذبحة حي بن مسيك بمدينة الدار البيضاء يوم 7 أبريل التي ذهب ضحيتها ألفا مواطن مغربي لإشغاله بالمشاكل التي تترتب عنها والهائه بها فيلغي رحلته المقررة.
    لكن جلالته، بالرغم من هذه المأساة، سافر إلى طنجة وألقى بها خطابه التاريخي الذي زعزع أركان الإستعمار في المغرب معلنا إرادة المغرب في الإستقلال ومحددا سياسته الخارجية.
    منذ هذا التاريخ بدأت الإقامة العامة تعد مؤامرتها الكبرى لخلعه بالتعاون مع غلاة الإستعمار وأعوانها من المغاربة.
  وتصاعدت الأحداث بين القصر الملكي العامر وبين الإقامة العامة تصاعدا لم يعد من الممكن إيقافه والعودة به إلى الوراء والتفاهم..
   وانتهزت السلطات الإستعمارية تضامن الشعب المغربي مع تونس الشقيقة في الإحتجاج على مقتل الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد على يد المنظمة الإرهابية الفرنسية "اليد الحمراء" في دسمبر 1952 فاعتقلت الزعماء المناضلين الوطنيين.. وجدت في هذا الإعتقال فرصة ثمينة لينزل جلالة المغفور له عن القوة الحقيقية التي تحبه والمستعدة لفدائه والدفاع عنه.
   وسرعان ما تكونت بإيعاز من الإقامة العامة هيأة الباشوات والقواد الذين وقعوا عريضة تحمل 270 إمضاء يطلبون فيها خلع جلالة المغفور له محمد الخامس.
    طبعا كان السيناريو موضوعا ومدبرا في نهار لا في ليل كما يعرف الجميع.
    وفي يوم 15 غشت 1953 بايعت الهيأة المذكرة بمدينة مراكش محمد بن عرفة سلطانا على المغرب.
    حدثت مظاهرات عديدة في مراكش والدار البيضاء والرباط وسلا ومكناس وفاس ووجدة.
    كان المغرب على وشك الوقوع في هاوية حرب أهلية مصطنعة يتخذها غلاة الإستعمار ذريعة ومبررا أحداث قمع عنيف..
     وكان جلالة المغفور له محمد الخامس في غمرة هذه الأزمة يوجه النداءات إلى شعبه الوفي بالتزام الهدوء..
      ثم جاء أخيرا بعد أسبوع مضطرب يوم 20 غشت اليوم الذي قرر الإستعمار الفرنسي أن يكون يوم الخلع..يوم الإعتداء على حرمة العرش العلوي وعلى شعور جميع المغاربة أثناء حلول عيد الأضحى.

  الحـدث والمنطلق
   بعد زوال يوم 20 غشت 1953 طوقت الإقامة العامة للقصر الملكي بالرباط بقواتها العسكرية تنفيذا لأمر أقرته الحكومة الفرنسية يقضى بخلع جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، ونفيه إلى جزيرة كورسيكا بالبحر الأبيض المتوسط تمهيدا لنقله إلى منفى آخر.
    حدث هذا أثناء عيد الأضحى المبارك فأثار استياء واشمئزازا عند جميع مواطنينا.
   كان خلع جلالة محمد الخامس يعني في نظر الإستعمار خلع السيادة المغربية خلعا نهائيا.
   كان جلالته ملكا وطنيا محبوبا واكب الحركة الوطنية منذ نشوئها في مطلع الثلاثينات، وشجعها، ورعاها، وعطف عليها، وتعاون مع زعمائها ومسؤوليها تعاونا لم يرق الإستعمار، وكان يمثل السيادة المغربية تمثيلا حقيقيا فصار رمزا لها.
    طبعا، إن وجود ملك وطني على عرش المغرب لم يكن ليسر الإستعمار فدبر أمر خلعه.
    أراد الإستعمار أمرا سيئا للمغرب والمغاربة.
    وأراد مناضلونا أمرا آخر غيره، أرادوا أن يكون هذا اليوم منطلقا لثورتنا التحريرية التي طالما انتظرناها وتمنيناها من أجل استرداد استقلالنا.
    أراد الإستعمار أن يكون يوم حزن وأسى ويأس.
    وأراد مناضلونا أن يكون يوم أمل تشرق فيه شمس ثورتنا التحريرية تبشر مواطنينا في جميع ربوع المغرب، بالخلاص من قيود الإستعمار، والعزم على استرداد الإستقلال والكرامة.
    فكان ما أراده مناضلونا.
    وباء ما أراده الإستعمار بالخسران والفشل ثم بالهزيمة.
    وفي غمرة احتفال غلاة الإستعمار بنشوة انتصار مزعوم بدأت ثورتنا التحريرية في قاعدة نضالنا الوطني.
   كان مقاومونا هم الذين ينتقلون من مكان إلى آخر في التراب الوطني بحثا عن مآوي آمين فرارا من السلطات الاستعمارية فور افتضاح أمرهم.. أما بقية المواطنين فقد ظلوا مستقرين حيث هم، ولم تحدث هجرات مثل ما حدثت في بلاد أحرى: فلم تحدث أثناء المقاومة مشكلة لاجئين، وهذا يؤكد حب مواطنينا لترابنا الوطني وتعلقهم
به، وهي ميزة أخلاقية مثلى يجب أن نعتز بها ونحافظ عليها دائما.
   وأهم ما حدث هو أن مناضلينا في الخارج كانوا يأتون إلى المغرب ليسهموا بجهودهم في مقاومتنا، وهذا سعي مشكور منهم يحمد لهم ويستحقون عليه الثناء والتنويه.
    وفي طوفان الأهوال والحرب النفسية المسلطة على بلادنا، وأعمال القمع العنيفة، وتحركات القوات العسكرية والشرطة كانت معنويات مقاومينا عالية وكان صبر مواطنينا وصمودهم مثاليين.
   حقا، ما زال تاريخ مقاومتنا لم يكتب.. ولكنه وإن تأخرت كتابته يزخر بأحداث وعمليات في مستوى نظيراتها التي حدثت في المقاومات المعاصرة التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، ومن حقنا وواجبنا أن نفتخر بها، فلقد عشناها وواكبناها، كان مقاومونا في المستوى النضالي المطلوب، كانوا عند حسن ظننا وعند حسن ظن التاريخ بهم، أبلوا البلاء الحسن، صبروا واستماتوا، واستشهد شهداؤنا أبطالا.

  تكريم شهدائنا :
 في غمرة الاحتفالات التي تقام لتخليد ذكرى 20 غشت تنظم الندوات واللقاءات والسهرات والاجتماعات وتلقى المحاضرات والقصائد والأناشيد والأغاني التي تشيد بأحداث ملحمة مقاومتنا وتمجدها وتنوه بها، وتشارك أجهزة الإعلام بجهد كبير في نقلها إلى المواطنين لكي يسهموا هم أيضا حيثما كانوا وجدانيا وعاطفيا في الاعتزاز بأمجادنا الوطنية في هذا اليوم الأغر الذي نحتفل فيه بالبطولة والنضال والمقاومة والحرية والكرامة، ونكرم فيه شهداءنا الأبرار ومقاومينا ومناضلينا الأبطال.
   إن كل شهيد من شهدائنا بطل وطني يجسد القيم الوطنية العليا لشعبنا وحضارتنا ووطنيتنا ونضالنا ومقاومتنا وكان سقوط أول شهدائنا في الرباط يوم 11/8/1953 وهو يقوم بواجبه الوطني بمثابة كلمة الأمر لمناضلينا ندعوهم للاقدام على ولوج ساحات الواجب دفاعا عن مقدساتنا الوطنية لاسترداد استقلالنا.  

   أحداث ملحمة عظيمة:
   كان طبيعيا أن يحدث الخلع العدواني الذي نفذته الإقامة العامة صدمة نفسية عنيفة في نفوس مواطنينا… لكنها لم تدم طويلا فسرعان ما زالت فور العمليات الفدائية الأولى التي قام مقاومونا بإنجازها في مختلف مدن المغرب.
     لاح في الأفق أمل باسم، وظهرت معالم عمل إيجابي تتضح للعقول الواعية.. كان هذا العمل هو المقاومة.
     أحداث مقاومتنا للاستعمار من أجل استرداد استقلالنا تكون في مجموعها ملحمة عظيمة غنية بالأعمال البطولية التي أنجزها مقاومونا البواسل بشجاعتهم الشهيرة.
      ولا عجب فالاستعمار يعرفنا جيدا فقد حاربناه منذ بداية الحماية حروبا نلنا فيها أمجادا وفخارا ولحقته في معاركها خسائر وإهانات، وحاربنا إلى جانبه في الحربين العالميتين الأولى والثانية وفي ميادين أخرى…فهو يعرف شجاعتنا.
       حارب مقاومونا القوات الاستعمارية المتفوقة عتادا وعددا وهم قلة في العدد وبأسلحة قليلة وفي أوضاع تنظيمية واجتماعية غير متكافئة.
     هذا ما حدث بالفعل… ورغم ذلك استطاعوا أن ينتصروا عليه، ويجبروا الحكومة الفرنسية على تغيير رأيها الأساسي والجلوس إلى مائدة المفاوضات التي طالما تهربت منها في السابق، ورضيت بها الآن فور شعورها بقوة نبض مقاومتنا وعند تيقنها من أنها مصرة على الدخول معها في مبارزة مصيرية حاسمة انتظرتها طويلا من أجل إنقاذ الوطن واسترداد استقلاله وكرامة مواطنيه.
    وأعادت جلالته المغفور له محمد الخامس من المنفى إلى فرنسا ثم إلى المغرب معززا مكرما..
    وأثبتت الأيام حكمته ورجاحة عقله.. فلو عملت الحكومة الفرنسية بآرائه النيرة لما أزهقت الأرواح وأريقت الدماء ولما حدثت الأزمات بين المغرب وفرنسا..
     لكنها القوة تعمي الأقوياء دائما فتسد بصائرهم فلا ينصاعون للحق.
    وعندما بدأت المقاومة، لم يفكر الاستعمار في التفاوض معنا والاعتراف وحقنا في الاستقلال وإنما بادر إلى قمعنا..
    ولنا في شهدائنا خير برهان على القمع الاستعماري وطغيانه وظلمه.
    وتتضمن برامج الاحتفالات بيوم 20 غشت زيارة قبور شهدائنا للترحم عليهم والدعاء لهم، والتدبر في قدرهم والاتعاظ بمصيرهم، لقد بذلوا أغلى ما يملكون فداء للوطن والمواطنين.
     إن وقوفنا على قبورهم يذكرنا بالمواقف البطولية التي وقفوها، وبفضل النضال والمقاومة في الحصول على الحقوق والتمتع بها فيتجدد فينا العزم، وينبعث الحماس ويشرق في قلوبنا نور الإخلاص لمقدساتنا.
     الاستشهاد في سبيل الله دفاعا عن المقدسات قدر إلاهي ومصير رباني قبل أن يكون مجرد موت.. قال في حقهم الله عز وجل في القرآن الكريم "والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم"، "وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجئ بالنبيئين والشهداء" (الزمر 69) .
     وبالرغم من صعوبة المواقف في المواجهات المسلحة للسلطات الاستعمارية أثناء مقاومتنا في ثورة الملك والشعب فإن عدد شهدائنا الذين سقطوا في ساحة الواجب لم يتجاوز الألفين..
    إن مناضلين عازمين يطلبون حقهم في الكرامة والحرية وحق بلادهم في الاستقلال بقوة السلاح لايموتون، إنما الذين يموتون بكثرة هم أولئك الذين لا يحملون سلاحا لطلب هذه الحقوق.

       قاعدة نضالية واعية:
   إندلعت مقاومتنا كرد فعل مباشر فوري بعد إقدام السلطات الاستعمارية على خلع جلالة المغفور له محمد الخامس ونفيه خارج التراب الوطني..
    وعندما اندلعت لم تكن في حيازة مناضلينا الإمكانات والوسائل التي تمكنهم من القيام بإنجاز أعمال المقاومة، فحمل السلاح كان محظورا، والحصول عليه بدون ترخيص كان يخضع لعقوبات قانونية صارمة..
     وكان القادة الوطنيون في السجون والمنافي…
     وكانت السلطات الاستعمارية تمسك كل شيء في المغرب بيد من حديد، وعيونها وأذانها مبثوثة في كل مكان..
     في هذا الجو تحرك مقاومونا وبدأوا أعمالهم.
    كان عليهم أن يحصلوا على أسلحة بأية وسيلة…
   وهكذا في غياب القيادة الوطنية لعبت القاعدة النضالية نشيطا في مقاومتنا، الأمر الذي يؤكد لنا قيمة البناء الديموقراطي لتنظيماتنا الوطنية، الذي لا ينهار بمجرد غياب أطره.
    القاعدة النضالية هي التي فعلت كل شيء في مقاومتنا أثناء غياب القيادة، نظمت، وسلحت، ومولت، الاتصال، وآوت وواست، وخططت، وضربت، كانت اليد الفاعلة، والرجل المتحركة، والعين الراصدة، والأذن المستمعة، والعقل المدبر.
    ولولا هذه القاعدة النضالية لما قامت مقاومتنا.
    إنها قاعدة تفرض علينا احترامها وتقديرها، وتوجب علينا الاهتمام بها ورعايتها لأنها الأساس المتين الذين تقوم عليه تنظيماتنا الوطنية.
      لقد صمدت طويلا بدون وسائل حتى توفرت الإمكانات والإمدادات.
     وطبعا، إلى جانب وقوفنا بخشوع على قبور شهدائنا يجب أن نحيى بتقدير مناضلينا متأملين في أعمالهم وخدماتهم الجليلة التي قدموها لوطننا في ساعات العسر والضيق.
     سهل أن يكون الإنسان مواطنا مادامت المواطنة سهلة، لكن صعب أن يكون مناضلا لأن النضال صعب وعظيم.
     إن مقاومتنا تعلمنا أن نكون جميعا مواطنين وطنيين، وأن نكون مستعدين للدفاع عن وطننا بكفاءة عالية في أي موقع كنا من مواقع النضال والمسؤولية الاجتماعية، لأن الوطن للجميع، ومن واجب المواطنين كلهم أن يدافعوا عنه، ولا يجب أن يتقاعس أي منا، ويقف خارج ساحة الواجب يتفرج وخاصة عندما يكون مصيرنا في خطر.

   مقاومتنا والإشعاع التحريري في إفريقيا:
  لم يقف تأثير مقاومتنا في ترابنا الوطني فقط، وإنما تجاوزه ليتجاوب ويتعاون مع المقاومة في بلاد المغرب العربي، وفي الأقطار الإفريقية.. لقد مدت يدا صادقة لها جميعا لكي تهب هي الأخرى لتتحرر وتسترجع استقلالها وكرامتها.
    واجب الانتماء إلى المغرب العربي وإلى القارة الإفريقية هو الذي أملى علينا هذا..
    وفضلنا باق حتى إذا لم تحفظه البلدان التي أعناها.
    هكذا كانت مقاومتنا عظيمة في طموحاتها الإنسانية.
    وفي مناصرتها لقضايا الحرية، وللقضايا العادلة في قارتنا وفي القارات الأخرى.
    هذا يؤكد لنا القيم المعنوية التي كان يتحلى بها مناضلونا ومقاومونا.
     لقد قدمنا العون المطلوب في الوقت المطلوب لكل من طلب عوننا حتى في الظروف الصعبة التي مررنا بها.
     وفي مقاومتنا مزايا عديدة تنفعنا في تعاملاتنا النضالية والاجتماعية والسياسية على مختلف المستويات.
     وفيها دروس جليلة الشأن لاتستبين معانيها إلا بالتفكير والتدبر.
      فإذا أقمنا الاحتفالات والمهرجانات لتخليد يوم 20 غشت فإنما نقيمها لنتفكر ونتدبر ونتعلم، فإن ما نتعلمه فيها من تعاليم نضالية ثابتة ترسخ في الألباب تنفعنا في ممارسة مسؤوليات استقلالنا وكرامتنا.
     ومن البديهي أن يتحلى المواطن الوطني المناضل المقاوم بالذكاء والفطنة ومرونة التفكير والاستقامة النضالية.
     هناك من يفهم السياسة على ضوء اللاأخلاق والمكيافيلية الخرقاء ليبرر ما تسول له نفسه من تصرفات منكرة، ولكنها، رغم كل مكر، ما نفتأ نفهم السياسة أخلاقا عالية والتزاما شريفا بالعهود، ونضالا نبيلا من أجل بلوغ مطامح مثلى.

    وثمار يانعة نشتهيها:
    إن دماء شهدائنا الأبرار ومقاومينا ومناضلينا الأبطال التي سالت بغزارة سخية أروت تراب وطننا واخصبته أثمرت ثمارا يانعة طالما اشتهيناها ورغبنا في التمتع بقطفها.
    ففي كل مكان في بلادنا عمران، ونماء، وتوق عارم لنهضة شاملة تحقق لنا جميع ما شئنا وأردنا حاضرا ومستقبلا.
   أنجزنا بعد استرداد استقلالنا في ربع قرن من الزمان ما لم تنجزه لنا "الحماية" في 44 سنة (أو حوالي نصف قرن).. أنجزنا أكثر مما أنجزت أضعافا مضاعفة.
   ولو بقينا تحت "الحماية" لما تمتعنا بما نتمتع به اليوم.
   هناك دائما صعوبات في البناء، وإعادة ترميم حضارة بسائر مرافقها ترميما شاملا ليس أمرا سهلا.
   ولا يجب أن تؤثر الصعوبات كيفما كانت، على بصائرنا وعيوننا فتحجب عنها الحقائق وتمنعها من رؤية منجزاتنا بمنظار التفاؤل والإنصاف والتقدير السليم لأوضاعنا.
   جدير بنا كمواطنين وطنيين نملك وعيا نضاليا راقيا وتجربة أصيلة في المقاومة أن نسعى بكل جد، ونعمل بكل عزم بتواصل لنصلح أوضاعنا التي لاتعجبنا ونشتكي منها، ونرقى بالمستوى الحضاري لوطننا إلى المكان اللائق به بين الأوطان الراقية.
  لهذا يجب أن نكرس جهودنا لبناء وطننا.. وليست الصعوبات عيبا، وإنما العيب أن نهرب من مواجهتها!
  لقد ضحى شهداؤنا الأبرار ومقاومونا ومناضلونا الأبطال من أجلنا، ويجب أن نضحي من أجل أجيالنا الصاعدة لنترك لهم تراثا غنيا وأوضاعا أفضل من أوضاعنا.

    درس دائم لبناء واقع أفضل :
   مقاومتنا في الخمسينات من القرن العشرين الميلادي درس دائم يذكرنا بكل ما حدث لنا منذ فرض اتفاقية الحماية على مغربنا في 30 مارس 1912 حتى استردادنا استقلالنا يوم 2 مارس 1956.
   فرضت الحماية علينا بقوة السلاح، قسرا وإجبارا، "مكره أخوك لا بطل" كما يقول المثل العربي، إذ نقبلها إلى مضض.
      إن ما حدث لنا في فترتها لم يكن أمورا عادية يمكن نسيانها بسهولة..
      لقد ثار عليها مواطنونا عندما علموا بها.. واستمروا يثورون حتى توجت جميع ثوراتهم بالنصر المبين استرداد استقلالنا في ثورة الملك والشعب التي اندلعت يوم 20 غشت 1953.
     كان وطننا أثناء " الحماية" سجنا كبيرا رهيبا لنا تتحرك فيه إلا بالقدر الذي تسمح لنا به السلطات استعمارية.. تحت رقابتها وبإذنها، وبشرط عدم تعكير راحتها وصفو أمنها..
     كان الاستعماريون الحكام بأمرهم، وكنا نحن الأسرى والسجناء والسخرة!
     من لم يرضخ منا لحكمهم يناله العذاب والحرمان والاعتقال والنفي والهوان.
    كنا نعيش في وطننا وكأنه ليس وطننا، وكنا فيه كأننا غرباء..
    وضعية كهذه لاتسرنا ولا ترضينا، وكان من واجبنا أن نثور لنتحرر ونسترد استقلالنا.
    وهذا ما حدث.. واسترددنا استقلالنا.
    إن بناء كل واقع أفضل نحقق فيه كل آمالنا وأهدافنا ومطامحنا في الاستقرار والازدهار والرفاه والرقي الحضاري ينطلق من استقلالنا ويتدعم عليه.
    والحفاظ على استقلالنا مسؤولية نتحملها جميعا، ويتحملها كل مواطن ومواطنة منا، إنها أمانة شهدائنا وشهيداتنا في أعناقنا.
    ويقضي علينا الواجب أن نصون الأمانة حق الصيانة.
    كل شيء ممكن بوحدة الصف، وبالعزم الصادق، وبالإخلاص في أداء الواجب.
    إن الرقي بوطننا إلى الواقع الأفضل، وإلى المستوى الحاضري الذي نريده ونرضى عليه يتطلب منا أن نعمل كثيرا بتواصل وجد وبتفكير دائم في حاضرنا ومستقبل أجيالنا الصاعدة.
   من أجل تحقيق هذه الغاية اندلعت مقاومتنا يوم 20 غشت 1953..ومن أجلها نخلد سنويا عودته..
   هذا ما يوحيه لنا الوقوف بخشوع على قبور شهدائنا نترحم عليهم ونسأل الله الغفور لهم الغفران والرضوان..
   إن قبور الشهداء تتكلم دائما بكلام فصيح يفهمه الواعون فهما حقا..
   فعندما يوجد الشهداء توجد قضية، وتوجد غاية ويوجد نضال من أجلهما

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .