الرئيسية البديل الثقافي /هــــــواجــــس…/ بقلم ذ.محمادي راسي

/هــــــواجــــس…/ بقلم ذ.محمادي راسي

كتبه كتب في 13 يونيو 2019 - 10:17 م

جريدة البديل السياسي.كوم /            بقلم ذ.محمادي راسي/

  /هــــــواجــــس…/

        &&&&&&&&&        

                           من شرفتي الضيقة القفص الصغير  كمحبس الطير ، راقتني الطلوة التي يضحك لها أديم اليم برقراق ولمعان مأجه  ، تطاللت أنظر لأرى البحر من خلال عطف لزب ،لأن البنايات تحجب الرؤية ، أراه ولا أسمع صوته ،ولا أرى أمواجه ، يبدو لي كقطعة زجاجية زرقاء ملداء ، بدون حدود ، ومزروعات ، وأشجار، وبحر ، ومساكن ، وشوارع ،ومؤسسات ،  و" فيلات "، وغلات ، غلاته في أعماقه وأغواره ، يحمل أسرارا كثيرة ،صبور على تصرفات الإنسان الرعناء ،من خلال التلوث الناتج عن سلوكات مخزية مقيتة ، تؤدي إلى تلويثه ،من بول ،وبراز، وعاذرة ، ونفايات ،وأزبال ،وزيوت محركات البواخر ،  يسع للأمطار الغزيرة والطوفانية ، ويطيق ما تصادفه وتحمله الأنهار إليه وقت الفيضان، من منبعها إلى مصبها ،من أعالي الجبال والنجاد والوهاد ، حيث تمتزج بمياه البحر التي تحبها الحيتان بالفطرة والذكاء…

            هذا الطم استغله الإنسان في الملاحة والصيد ،واستخراج الدرر، والمحار، واللؤلؤ ، والسلج ، وأم الخلول ، والمرجان، والبلح ،والدلّاع .. إلى أن فكر في تصبير الأسماك  في علاب ، وتجميدها في الثلاجات للمحافظة علي طراوتها ، وصناعة السفن وإنشاء الموانئ ،لترسو البواخر والقوارب ، والولوج إلى ماء اليم مباشرة بيسر دون عسر ومشقة ، والله هو المبدع الأول حينما أمر سيدنا نوح عليه السلام ليصنع الفلك ….، ذكره القرآن وتحدث عن منافعه وبصفة علمية ، مما أدى بكوستو إلى الإيمان ، بسبب البحث والتجربة والممارسة والمشاركة ميدانيا ،والوقوف على المخلوقات العجيبة  المختلفة الأشكال والألوان المتواجدة بأعماقه وأغواره ، "مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان "، صدق الله العظيم ،وكلما بحث الإنسان في الكون إلا وازداد إيمانا بالله سبحانه وتعالى ، ونيل أرمسترنغ حينما وصل إلى القمر تعجب وهو ينظر إلى شكل الأرض العجيب ، فأردف قائلا صائحا متعجبا ؛ الله قوي قدير، كل شيء عجيب جميل مدهش ،فأعلن وجهر بإيمانه بالله أمام العالم ،عبر القنوات التلفزية والإذاعات العالمية ….خوفا ودهشة وتعجبا .."إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ". صدق الله العظيم اااا .وهذه هي النتيجة الإيجابية ، ألا وهي  لا حياة في القمر ….

              قاد البحر الجغرافيين إلى التفكير في ما وراء الدأماء ، فقاموا برحلات استكشافية ؛  اكتشاف العالم الجديد ،والجزر والبحور والمحيطات ومثلث برمودا أو مثلث الشيطان ،والجبال  والجزر التي هي في أعماق البحار ، وأتوا بأدلة دامغة عن كروية الأرض ك؛ رحلة حنون قديما  نحو خمسمائة قبل الميلاد ، وفي القرون الوسطى ، والقرون الحديثة والمعاصرة ك؛ ماجلان وماركو بولو ، وابن بطوطة ، وابن جبير ، وفاسكوديغاما  وكرستوف كولومبوس وغيرهم ،والفنيقيون وصلوا إلى المغرب واسبانيا برحلاتهم التجارية والاستكشافية ، وعن مهرقان كتب الكتاب والأدباء والشعراء ، وتغنى  به المغنون والمطربون ، وهذا خورخي مانريكي في رثاء أبيه يقول بالمعنى " ،لأنني لست مترجما مختصا متخصصا متمكنا أدبيا من حيث اللغة الإسبانية قواعدها بلاغتها وميزانها الشعري .

حياتنا ؛

كالأنهار التي ستصب في البحر ،

وهو الفناء ،

هناك الأنهار الكبرى،

هناك المتوسطة ،

هناك الصغرى ،

جميعا هي متساوية ،

حينما ستصب في البحر…..

                 عن البحر نتجت رياضات مختلفة كالسباحة والتزحلق و"الجيت سكي " ، وفكر الإنسان في قطعه بقوارب صغيرة للهجرة السرية ،وهو في ذلك  يغامر ويخاطر بنفسه ، يعرض نفسه للتهلكة ، فكم لفظ من جثث ، وبعضها اختفت أو أكلتها الحيتان ..رغم أن الإنسان القديم خاف ركوبه…ااا. وبسبب الأنانية وحب التملك والسيطرة والهيمنة ، حوله الإنسان إلى ميادين حربية قديما ؛كذات الصواري المشهورة وغيرها من المعارك ،وحديثا أيضا ؛ وقد  لوثه بالديناميت والطوربيدات والبارود والصواريخ … ــــ وما زال يلوثه بالنفايات ـــ وقتل العديد من الحيتان والجنود المسخرة ، وقاده الفضول إلى صناعة الغواصات المخصصة للحروب واستغلاله في البحث العلمي ، ويقوم بين آونة وأخرى بتجاريب نووية في أعماقه .

                       إن العالم دائما في تناقض مستمر؛ الحرب والسلم ، ما زالت النيران تندلع  وتلتهب ،وتلتهم بنهم أرواحا بريئة من أطفال ونساء وشيوخ وشباب في بعض أرجاء العالم ، بسبب تعنت وتجبر القادة الذين ليسوا في مستوى المسؤولية ، لا يفكرون في الإنسان الذي له الحق في العيش والحرية والكرامة ، وقد كرمه الله بنعم لا تحصى ، فجميع الحواس نعمة ،زيادة عن نعم الأرض بجميع المنتوجات الفلاحية ، والغابات والمياه العذبة والمعدنية ،  ونعم البحر التي تتجلى في الحيتان الثروة السمكية الهائلة ، والثروة البترولية والغازية ، ويساهم البحر في تكوين الأمطار ، وهو خزان كبير لجمع مياه الأمطار التي تصب فيه ، إن ما في الأرض والبحر والسماء لا يمكن عده وتحديده وتسميته ، فالبطاطيس أنواع كثيرة ، وكذلك الأعشاب والحيتان ، ولا يمكن إحصاء النجوم …وهناك أشياء لم نشاهدها ولم نعاينها قط ؛ وهي موجودة ، إن علم الله واسع ، وما الإنسان إلا عارف ، والمعرفة صفة في الإنسان ، أما العلم فهو من صفات الله تعالى كما قال أبو حيان التوحيدي .

   عن البحر أيضا ؛ ظهرت  مهن وصناعات ،وخطوط ملاحية وتجارية ،  وأنشئت مدارس بحرية وغيرها ، ومؤسسات تجارية من حيث الصادرات والواردات ،  ووكالات الأسفار ، ونقابات مهنية ، وأندية رياضية ،وجمعيات الصيادين وأرباب القوارب …،وجمعيات بيئية تنافح من أجل نظافته ، واحترام أوقات ومواسم الصيد التي تتجلى في الراحة البيولوجية ،  وأقيمت بالقرب من شواطئه منشآت سياحية من ملاعب ترفيهية وفنادق ومطاعم ، وتنظم مباريات شاطئية في كرة القدم والكرة الطائرة ، كلما حل فصل الصيف للترفيه والفرجة ،فلابد من احترامه لأنه يستفيد منه الإنسان ؛ماديا /معنويا/ رياضيا / صحيا /عقليا /نفسيا /اجتماعيا / ترويحيا /اقتصاديا / سياحيا …  

وأخيرا ؛ هو لوحة طبيعية  متحركة تجمع بين الحركة والسكون والهيجان والموسيقى ، فيها مد وجزر ، تتأثر بضوء القمر، تتصف بألوان مختلفة تارة رمادية ،وتارة صافية ناصعة  مهقاء ،وتارة زرقاء متأثرة بلون السماء ، هذه اللوحة يعجز عن رسمها ديلا كروا، وبيكاسو ، وميرو ،وموريو وفيلاسكس ،ودورير ،وتيتزيانو … ويعجز بيتهوفن ،وستراوش ،وباخ ، وموزار ، ويوهانز سيكونيا ، وفيليب دي فتري ، وألسندرو سكارلاتي وغيرهم؛ قديما وحديثا وحاليا ومستقبلا ….عن محاكاة أصوات أو سيمفونات الأمواج الطبيعية ،  ويحار في وصفها الشعراء والكتاب ،بل؛ بعضهم شكوا إلى البحر اضطراب خواطرهم ،وما يخطر بألبابهم وحيازيمهم وأفئدتهم من ألم وحزن وفرح ،والبعض خاف ركوب البحر ، والإنسان القديم عبده جهلا وخوفا واتخذه إلها ،هذا أبو الوليد الوقشي قال :

لا أركب البحر ولو أنني // ضربت فيه بالعصا فانفلق .

ما رأت عيني أمواجه // من فرق إلا تناهى الفرق .

وقال آخر :

لا أركب البحر خوفا // علي منه المعاطب .

طين أنا وهو ماء // والطين في الماء ذائب .

وشاعر القطرين خليل مطران قال شاكيا :

شاك إلى البحر اضطراب خواطري

فيجيبني برياحه الهوجاء .

 والبحر خفاق الجوانب ضائق

كمدا كصدري ساعة الإمساء .

قيل :

 ثلاثة ليس فيها أمان /////.البحر والسلطان والزمان .

 وقيل أيضا :ثلاثة لا أمان لهم السلطان والبحر والزمان .         

وقيل أيضا :جاور ملكا أو بحرا .

                                 بجل ؛إن البحر يخيفنا حتى في هدوئه، لأننا لا نعرف متى  سيهيج ، ومتى سيحدث تسونامي ،أو الطوفان لا قدر الله ، ؟ كالطوفان الذي حدث في عهد سيدنا نوح  وهو امتحان للذي لا يؤمن بالله ، ولا يصدق أن تصل المياه إلى الجبال ، وتؤكد القصة أو الواقعة  أن آصرة العقيدة أقوى من آصرة القرابة … ومن لا يجيد فن العوم عليه ألا يسبح فيه ، كما تذكرنا قصيدة نزار قباني رسالة من تحت الماء .

هذا الطغم الخضم العظيم ،نوجل منه في هدوئه ، حينما يكون كصفحة  زجاجية زرقاء ، وفي هيجانه ، حينما يضطرب فيرغي ويزبد ، وتعلو علاجيمه نافطة ذات نفاخات بيضاء،  تشبه الثلج والشيب والشب ، ينتاب الخوف الساكن بجواره والصيادين أكثر، لأنه مصدر رزقهم وعيشهم …  يلزم أن نحافظ عليه بعدم تلويثه ، ولا نريد أن يكون في ملك الخواص ،فنحرم ونمنع من الاصطياف والاستجمام والاستحمام والسباحة  ، والجلوس فوق ريفه للترويح عن النفس ، والتدبر والتـأمل في اللوحة الطبيعية الجميلة الجامعة المانعة، إنك لا تكتفي بالتدبر والمشاهدة فقط ،وإنما تشارك فيها بوجودك،  بل إنك جزء منها …تستمتع بضوء اليوح ،وتستمع إلى أنغام الأمواج ، وتحس بنسيم البحر الذي ينشط عقلك، ويدغدغ كيانك ، ويجمش جسمك ، ويبعث فيك روح المرح والنشاط ويلهمك أحيانا …هذه اللوحة تستوقفنا مرارا وتكرارا ،كإشارة قف  ، لاسترجاع الأيام السالفة، والوقوف بها كما كان يفعل الشعراء الجاهليون ،حينما كانوا يقفون بالأطلال والديار، للبكاء عليها والادكار … وتذكرنا بأصدقاء ظعنوا إلى بقاع أخرى ، وببعض الراحلين إلى دار البقاء والذين كانوا جزءا من هذه اللوحة الخالدة ، يترددون عليها ،ويختلفون إليها، كلما حل فصل الصيف …. فهو أي البحر المتنفس الوحيد لساكنة بني انصار؛ إنه البحر الأبيض المتوسط حيث شاطئ "ثيزرث "الجميل الذي لا نظير له ، برمله الهذلول اليرمع  الهجيل، سهل الولوج ، بدون صخور وجراول وجرف ، وبدون تلال رملية شاهقة كالجبال ..

 

                       وختــــــــــــاما ، سأختم بفقرة من  مقالة سابقة ؛" سيظل البحر فضاء للاستمتاع والترفيه، نشد الرحال إليه كلما حل فصل الصيف …وسيثبت البحر بحرا كثابت وثوابت ،بمده وجزره ،وهدوئه وهيجانه ، وصوته السرمدي ، سيمكث ملهما للكتاب والشعراء ، وحديقة للعشاق عبر الأجيال ..سنرحل جميعا وبني انصار ستتغير هيكلا ومضمونا ، وسيبقى البر برا ، والبحر بحرا يا ولدي ، بسمفونياته الخالدة ،وأمواجه المتدحرجة ، وبصوته الذي لا يتغير مستقبلا جيلا بعد جيل ،بل شعوبا وأمما ودولا ….إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ".

 

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .