الرئيسية منبر البديل السياسي “المغرب مدرسة دولية في محاربة الإرهاب:أية وصفة معتمدة؟”

“المغرب مدرسة دولية في محاربة الإرهاب:أية وصفة معتمدة؟”

كتبه كتب في 11 يونيو 2019 - 9:49 م

البشير الحداد الكبير باحث أكاديمي من طنجة/ جريدة البديل السياسي:

أصبحت الظاهرة الإرهابية تحتل المرتبة الأولى من بين القضايا التي تشغل الرأي العام الوطني و الدولي،فإذا كان القرن العشرين شهد حربين عالميتين طاحنتين و حربا باردة فإن القرن الحادي والعشرين منذ بدايته إلى يومنا هذا لم يسلم هو كذلك من ويلات الحروب و حرب جديدة تسمى "الإرهاب"،فمصطلح الإرهاب يصعب إعطاء تعريف محدد له إلا أننا نعتبره ذلك السلوك العدواني او العنف الصادر عن جماعات متطرفة،فهجمات 11 شتنبر سنة 2001 كانت ورائها عواقب وخيمة على جميع دول العالم بما فيها المغرب،ففي سنة 2003 اهتزت مدينة الدار البيضاء على واقعة أليمة،فكل المغاربة يتذكرون أحداث 16 ماي 2003،لكن هذه الحادثة لم تجعل المغرب منهزما بل زادته عزيمة على مواجهة الظاهرة الإرهابية و أصبح أكثر يقظة من قبل،لكن ما يمكن ملاحظته أن المغرب كان يعيش فراغا تشريعيا في مجال مكافحة الإرهاب،فهذه الحادثة المآساوية دفعته إلى مراجعة حساباته و تدارك الموقف و إصدار قانون جديد لمكافحة الإرهاب و هو القانون 03.03،و من خلال قراءة أولية لهذا القانون الجديد نجد أن المشرع المغربي أدخله ضمن مجموعة القانون الجنائي،بحيث حدد الأفعال التي تدخل في نطاق الجريمة الإرهابية و حدد العقوبات المقررة لها،بل اكثر من ذلك جرم استخدام الأموال من أجل تمويل العمليات الإرهابية،و حدد المساطر الخاصة بالجريمة الإرهابية بدءا من البحث التمهيدي إلى التحقيق الإعدادي ثم المحاكمة و جعل النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالرباط هي ذات الاختصاص في مثل هذه الجرائم بحيث هي التي تشرف على ضباط الشرطة القضائية.

و ما يمكن ملاحظته ان أعضاء الجماعة المتطرفة التي قامت بتلك العملية الإرهابية في الدار البيضاء كانوا يعانون من الفقر،و بالتالي فالسؤال المطروح ما هي الوصفة التي اعتمدها المغرب حتى يصبح قويا بهذا الحجم الذي نشهده اليوم في مجال محاربة الإرهاب؟

إن الإستراتيجية التي اعتمدتها المملكة المغربية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله،لم تعتمد فقط على المقاربة الأمنية،بل اعتمدت على مقاربات أخرى جعلتها تجربة ناجحة رائدة على الصعيد الدولي.

كما هو معلوم أن جلالة الملك محمد السادس منذ توليه العرش تبنى مفهوما جديدا للسلطة في الخطاب الملكي بتاريخ 12 أكتوبر 1999،و معنى هذا أن السلطة أصبحت قريبة من المواطن في إطار ترسيخ الديمقراطية و دولة الحق و القانون،إذ بالرجوع إلى تقرير الخمسينية نجده ينص على تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب و بالتالي عمل المغرب جاهدا على تصحيح الاختلالات،و هنا نجد أن الإستراتيجية المغربية في محاربة الإرهاب قامت على البعد الإجتماعي و الإقتصادي،ففي سنة 2005 و بالضبط بعد سنتين من حادثة 16 ماي 2003 بالدار البيضاء،أطلق جلالة الملك ورشا اصلاحيا مهما أطلق عليه بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية،التي تعرف حاليا نسختها الثالثة،بعد انقضاء أجل النسخة الأولى و الثانية،فالنسخة الأولى استهدفت 4 برامج،برنامج محاربة الفقر بالعالم القروي،برنامج محاربة الاقصاء الإجتماعي بالوسط الحضري،برنامج محاربة الهشاشة،و البرنامج الأفقي،بينما في النسخة الثانية تم استهداف برنامج واحد وهو برنامج التأهيل الترابي،أما النسخة الثالثة(2019-2023) استهدفت 4 برامج،برنامج تدارك الخصاص المسجل على مستوى البنيات التحتية،برنامج مواكبة الأشخاص في وضعية هشة،برنامج تحسين  الدخل،و أخيرا برنامج الدعم الموجه  للتنمية البشرية للأجيال الصاعدة،فالنسختين السابقتين ساهمان في تقليص وتيرة الفقر و محاربة البطالة و الهشاشة و الإقصاء الإجتماعي،و تم بناء ملاعب القرب حتى ينشغل الشباب بالرياضة و يملأ وقت فراغه.

كما أنه من بين المخططات التي اعتمدها المغرب في محاربة الإرهاب،أنه لم يعد يعتمد على الفلاحة بالدرجة الأولى،و إنما انشغل بقطاعات أخرى أكثر أهمية(صناعة السيارات و الطائرات) من أجل خلق فرص الشغل للشباب حتى لا يكون عرضة للجماعات الإرهابية،و هذا المخطط عرف بالاقلاع الصناعي،و بالتالي مما لا شك فيه بهذه الاستراتيجية حدثت طفرة من الناحية الاجتماعية منذ تولي جلالة الملك العرش،فقد تم تقليص درجات الخطر الإرهابي،و ما يمكن ملاحظته أيضا أنه بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس تغيرت المؤسسة السجنية من النظرة التقليدية إلى النظرة الحديثة،بحيث أصبحت مكانا لإعادة الهيكلة بالنسبة للسجناء و أصبح بإمكانهم متابعة الدراسة داخل المؤسسة السجنية او التكوين المهني،كما أنه بعد خروجهم من المؤسسة السجنية يمكنهم الولوج إلى مؤسسة إعادة إدماج السجناء و إعطائهم فرصة جديدة في الحياة من خلال مشاريع،و بالتالي يتحول السجين من نظرة اليأس الى الأمل،إذ نجد أن جلالة الملك اتبع نهج والده جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله حينما قال في إحدى الخطب الملكية السامية:"إن الوطن غفور رحيم"،و لعل الزيارة التي قام بها العاهل المغربي لأحد السجون بمدينة الدار البيضاء منذ 3 سنوات فيها أكثر من دلالة،و هي إعادة الاعتبار للسجين،حتى ان السجناء الذين تم سجنهم بسبب جرائم إرهابية يشملهم العفو الملكي،و بالتالي يتحولون من مواطنين غير فاعلين في المجتمع إلى مواطنين أكثر فعالية و نشاط و يتم منحهم فرصة مرة أخرى للتوبة و الرجوع إلى الصواب،فالسجين بهذه الاستراتيجية الحكيمة ستتغير صورته للحياة و لن يكون حاقدا على الدولة،خصوصا أن رؤية المجتمع للسجين تظل محتقرة لكن بفضل الرؤية الملكية سيكتسب السجين ثقته في نفسه و سيشق طريقه نحو النجاح،فالعديد من الأشخاص الذين تم اعتقالهم و سجنهم بسبب جرائم إرهابية و شملهم العفو تغيروا و أصبحوا في أفضل حال بفضل المشاريع التي منحت لهم بعد إعادة ادماجهم.

كما ان النموذج التنموي الذي اعتمده المغرب سنة 2011 بناءا على ملخصات اللجنة الاستشارية حول الجهوية ساهم هو كذلك في خلق فرص الشغل و كان إحدى الركائز التي اعتمدها المغرب في استراتيجية محاربة الإرهاب،لأن المغرب اقتنع أنه لا يمكن محاربة الإرهاب فقط من الزاوية الأمنية او القانونية بل هناك سلاسل مكملة في حلقة محاربة الإرهاب،فالجانب الإجتماعي و الإقتصادي له دور مهم في تفادي انخراط المواطن المغربي في الجماعات الإرهابية.

و من بين العوامل التي ساهمت في نجاح التجربة المغربية في محاربة الإرهاب،الاستقرار و الأمان الذي ينعم به المغرب خصوصا ان القارة الإفريقية و بعض الدول العربية ينعدم فيها الأمن و السلم،مما جعل المغرب بيئة أكثر استقطابا للاستثمار،فالمغرب أدرك جيدا أن العامل الاقتصادي سيساهم في نجاح الاستقرار السياسي،و ان الدولة لا يمكنها استيعاب جميع المغاربة في الوظيفة العمومية،و بالتالي فالقطاع الخاص له دور مهم في خلق فرص الشغل للشباب و إنقاذهم من شبح البطالة،لأن الفراغ هو مفتاح كل شر،و في سنة 2014 سن المشرع المغربي قانونا جديدا يقضي بتجريم الإلتحاق ببؤر التوتر بكل من سوريا و العراق،و ذلك من أجل الحفاظ على النظام العام.

و بما ان الإرهاب أصبح يعتمد على ظاهرة جديدة و هي وسائل التواصل الاجتماعي،قام المغرب بإعتماد مقاربة جديدة بالإضافة إلى المقاربة الاقتصادية و الاجتماعية،هناك المقاربة الدينية،فالجماعات الإرهابية أصبحت تستهدف الشباب الفارغ فكريا و روحيا و بالتالي كان من الضرورة مواجهتها بأفكار،فالمغرب لحسن الحظ دولة إسلامية تقوم على المذهب المالكي القائم على الوسطية و الاعتدال،و الملك حسب الفصل 41 من دستور 2011 هو أمير المؤمنين و حامي حمى الملة و الدين،و بالتالي قامت وزارة الأوقاف و لازالت تقوم بهذا الدور النبيل في سبيل الحفاظ على أمن الدولة،بتوعية المجتمع و إبعاد المساجد عن كل ما هو سياسي و أصبحت لها ادوار مهمة تتجلى في تنوير فكر الشباب،و قام المغرب ببناء مؤسستين مهمتين في المجال الديني"مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة" على اعتبار ان المغرب عضو نشيط في الساحة الدولية و يلتزم بنشر السلم والأمن في العالم و في إفريقيا خاصة،فالمغرب عاد بكل قوة إلى بيته الإفريقي"الاتحاد الإفريقي" و يبذل جهدا كبيرا في محاربة الإرهاب و منع انتشاره بالقارة الإفريقية،ثم "معهد محمد السادس لتكوين الأئمة و المرشدين و المرشدات".

أما على الصعيد الأمني،فالمقاربة الأمنية المغربية مبنية على الضربات الاستباقية،إذ في سنة 2015 تم تأسيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني،فمنذ تأسيسه إلى يومنا هذا قام بتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية بفضل الرؤية الاستباقية،و رغم كل هذه الجهود المبذولة نجد أن ضمن هذه الخلايا الإرهابية شباب في مقتبل العمر يسهل تمويههم و غسل ادمغتهم بالفكر الداعشي نظرا لفراغهم الديني و الفكري،و بالتالي يسهل استقطابهم،كما أن المغرب كان أكثر صرامة في محاربة الإرهاب إذ أن كل إشادة أو تشهير او إعجاب بعمل إرهابي يعرض صاحبه الى الإعتقال من طرف المصالح الأمنية.

و في إطار السياسة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله،تم اعتماد  هذه السنة "التجنيد الإجباري" كمقاربة ضمن الإستراتيجية المغربية في محاربة الإرهاب،حتى يتم تربية الشباب المغربي على حب الوطن و الوطنية و يسهل ادماجهم في سوق الشغل او بالقوات المسلحة الملكية و كذلك اكتساب مهارات و شخصية قوية متوازنة حتى لا يكون الشباب المغربي عرضة للجماعات الإرهابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

و في الأخير يمكن القول ان المغرب أصبح بكل صدق و موضوعية مدرسة عالمية و نموذج يحتذى به في مجال محاربة الإرهاب،و جميع دول العالم بما فيها الأوروبية أصبحت تطلب مساعدة المغرب لكي يمدها بخبراته الاستخباراتية في مجال محاربة الإرهاب و هذا كله ثمرة كفاح و جهود بدأها المغرب منذ حادثة 16 ماي 2003،بحيث تلك الحادثة كان سببا واضحا في نهوض المغرب و محاربته للإرهاب و أصبح بذلك تجربة ناجحة على الصعيد الافريقي و الدولي.

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .