” إفشاء السر “

كتبه كتب في 21 فبراير 2019 - 1:28 ص

جريدة البديل السياسي.كوم /

" إفشاء السر "

ذم إفشاء السر والنهي عنه :

أولًا : في القرآن الكريم :

– قال تعالى : " وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً " [النساء: 83] .
قال مقاتل : (أَذَاعُواْ بِهِ: يعني أفشوه) [تفسير مقاتل بن سليمان] .
وقال الطبري: (أَذَاعُواْ بِهِ : أفشوه وبثُّوه في الناس) [جامع البيان] .
قال ابن عباس : (قوله أَذَاعُواْ بِهِ، قال : أعلنوه وأفشوه) [جامع البيان] .
– وقال سبحانه : " وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ " [التحريم: 3] .
قال القاسمي : (أشار تعالى إلى غضبه لنبيِّه، صلوات الله عليه، مما أتت به من إفشاء السرِّ إلى صاحبتها، ومن مظاهرتهما على ما يقلق راحته، وأن ذلك ذنب تجب التوبة منه) [محاسن التأويل] .
قال الطبري : ( " فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ " : فلما أخبرت بالحديث الذي أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبتها وأظهره عليه) [جامع البيان] .

ثانيًا : في السنة النبوية :

 – عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : حين تأيمت حفصة، قال عمر : لقيت أبا بكر فقلت : ((إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيني أبو بكر فقال : إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها)) [رواه البخارى] . 
قال ابن حجر : (وفيه أن من حلف لا يفشي سرَّ فلان، فأفشى فلان سرَّ نفسه، ثم تحدَّث به الحالف لا يحنث؛ لأنَّ صاحب السرِّ هو الذي أفشاه، فلم يكن الإفشاء من قبل الحالف، وهذا بخلاف ما لو حدث واحد آخر بشيء واستحلفه ليكتمه، فلقيه رجل فذكر له أنَّ صاحب الحديث حدَّثه بمثل ما حدَّثه به، فأظهر التعجُّب وقال: ما ظننت أنَّه حدَّث بذلك غيري ؟! فإنَّ هذا يحنث؛ لأنَّ تحليفه وقع على أنَّه يكتم أنَّه حدَّثه، وقد أفشاه)[فتح البارى] .
– وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يتجالس قوم إلا بالأمانة)) [حسنه الألبانى فى صحيح الجامع] .
قال المناوي : (أي لا ينبغي إلا ذلك، فلا يحلُّ لأحدهم أن يفشي سرَّ غيره) [فيض القدير] .

أقوال السلف والعلماء في إفشاء السر :

– (قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لابنه عبد الله رضي الله عنه : يا بني، إن أمير المؤمنين يدنيك – يعني عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه – فاحفظ عني ثلاثًا : لا تفشينَّ له سرًّا، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا، ولا يطَّلعنَّ منك على كذبة) [رواه أحمد فى فضائل الصحابة] .
– وقال معاوية : (ما أفشيت سرِّي إلى أحد إلا أعقبني طول الندم، وشدة الأسف، ولا أودعته جوانح صدري فحكمته بين أضلاعي، إلا أكسبني مجدًا، وذكرًا، وسناء، ورفعة، فقيل : ولا ابن العاص ، قال : ولا ابن العاص ، وكان يقول : ما كنت كاتمه من عدوِّك، فلا تظهر عليه صديقك)[المحاسن والأضداد ،للجاحظ] .

– و(قال عمرو بن العاص : ما استودعت رجلًا سرًّا فأفشاه فلمته؛ لأني كنت أضيق صدرًا منه حيث استودعته إيَّاه) [عيون الأخبار ،لابن قتيبة] .
– وقال عبد الملك بن مروان للشعبي، لما دخل عليه : (جنبني خصالًا أربعًا : لا تطريني في وجهي، ولا تجرين علي كذبة، ولا تغتابن عندي أحدًا، ولا تفشين لي سرًّا) [المحاسن والأضداد ،للجاحظ] .
– وقال الحسن : (إنَّ من الخيانة أن تحدِّث بسرِّ أخيك) [إحياء علوم الدين ،للغزالى] .
– وقال أكثم بن صيفيٍّ : (إنَّ سِرَّك من دمك، فانظر أين تريقه) [الآداب الشرعية،لابن مفلح] .
– وقال الأعمش : (يضيق صدر أحدهم بسرِّه حتى يحدِّث به، ثم يقول : اكتمه عليَّ) [روضة العقلاء] .

من آثار إفشاء السر [نضرة النعيم] :

1- إفشاء السرِّ خيانة للأمانة، ونقض للعهد .
2- إفشاء السرِّ دليل على لؤم الطبع، وفساد المروءة .
3- إفشاء السرِّ دليل على قلة الصبر، وضيق الصدر .
4- إفشاء السرِّ- خاصة عند الغضب- يعقب الندم والحسرة في نفس صاحبه .
5- إفشاء الأسرار إخلال بالمروءة وإفساد للصداقة، ومدعاة للتنافر .
6- إفشاء الرجل سر امرأته، وإفشاء المرأة سر زوجها؛ يجعل كلا منهما بمثابة الشيطان، ويخلُّ بفضيلة الحياء .

من صور إفشاء السر المذموم :

1- إفشاء أسرار المسلمين :
لقد نهى الشارع الكريم عن إفشاء أسرار المسلمين وأمر بسترها وكتمانها، لما في ذلك من حفظ لأعراضهم، قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ " [النور: 19] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة)) [رواه البخارى ومسلم] .
2- إفشاء أسرار الدولة : 
إذا كان إفشاء أسرار الأفراد مذمومًا، فإفشاء أسرار الدولة أشدُّ ذمًّا، وأعظم جرمًا، ويترتب عليه من المفاسد الشيء الكثير الذي يزعزع أمن البلد واستقرارها، ويمكن أعداءها منها .

3- إفشاء وإعلان الذنوب التي يرتكبها :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله؛ فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)) [رواه البخارى] .

الحالات التي يجوز فيها إفشاء السر :

لا يجوز إفشاء السر الواجب كتمانه إلا في أحوال محدودة منها :
1- انقضاء حالة كتمان السر .
2- موت صاحب السر – بشرط أن لا يعود عليه بالضرر – .
3- أن يؤدِّي الكتمان إلى ضرر أبلغ من ضرر الإفشاء .
4- دفع الخطر .

الأسباب المعينة على ترك إفشاء السر :

1- إدراك خطورة اللسان .
2- تذكر عاقبة كشف السر .
3- تعويد النفس على الصبر .
4- أن لا نحمل ما لا نطيق من الأسرار .
5- التزام ضوابط كشف السر .
6- لا تنس هذه الوصايا :
– لا تحدث بكل ما سمعت : قال صلى الله عليه وسلم : ((كفى بالمرء إثمًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع)) [رواه مسلم] . 
– لا تبحث عن الأسرار : قال صلى الله عليه وسلم : ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) [صححه الألبانى فى صحيح الجامع] .
– ستر المسلم فضيلة : قال صلى الله عليه وسلم : ((لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة)) [رواه مسلم] .

– الأسرار أمانات فلا تخن من ائتمنك .

إفشاء سرِّ الميت

(قال ابن بطال : الذي عليه أهل العلم أن السرَّ لا يُباح به إذا كان على صاحبه منه مضرة، وأكثرهم يقول : إنَّه إذا مات لا يلزم من كتمانه ما كان يلزم في حياته إلا أن يكون عليه فيه غضاضة .
قلت – القائل ابن حجر – : الذي يظهر انقسام ذلك بعد الموت إلى ما يباح، وقد يستحب ذكره، ولو كرهه صاحب السرِّ، كأن يكون فيه تزكية له من كرامة أو منقبة أو نحو ذلك، وإلى ما يكره مطلقًا، وقد يحرم، وهو الذي أشار إليه ابن بطال، وقد يجب كأن يكون فيه ما يجب ذكره كحقٍّ عليه كان يعذر بترك القيام به؛ فيرجى بعده إذا ذكر لمن يقوم به عنه أن يفعل ذلك) [فتح البارى ،لابن حجر] .
(ولقد أجاز بعض العلماء إفشاء سرِّ الرجل بعد موته، مستدلين بما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ((أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أجلس فاطمة بجواره ثم سارَّها، فبكت بكاء شديدًا، فلما رأى حزنها سارَّها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها، أنا من بين نسائه : خصَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرِّ من بيننا، ثم أنت تبكين، فلمَّا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها : عما سارَّك ؟ قالت : ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرَّه، فلما تُوفِّي، قلت لها : عزمت عليك بما لي عليك من الحقِّ لما أخبرتني، قالت : أما الآن فنعم ، فأخبرتني ، قالت : أما حين سارَّني في الأمر الأول، فإنَّه أخبرني : أنَّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلَّ سنة مرة، وإنَّه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب ، فاتقي الله واصبري ، فإني نعم السلف أنا لك،قالت : فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارَّني الثانية، قال : يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة)) [رواه البخارى ومسلم] .

إفشاء الغاسل حال الميت :

قال الخطيب الشربيني : (فإن رأى الغاسل من بدن الميت خيرًا كاستنارة وجهه، وطيب رائحته، ذكره ندبًا؛ ليكون أدعى لكثرة المصلين عليه، والدعاء له، أو غيره كأن رأى سوادًا، أو تغير رائحة، أو انقلاب صورة حرم ذكره؛ لأنه غيبة لمن لا يتأتَّى الاستحلال منه) [مغنى المحتاج] .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة)) [رواه مسلم] .

صفات من يفشي سرَّ نفسه :

قال الماوردي : (وفي الاسترسال بإبداء السرِّ دلائل على ثلاثة أحوال مذمومة : 
إحداها : ضيق الصدر، وقلة الصبر، حتى أنَّه لم يتسع لسرِّ، ولم يقدر على صبر .
والثانية : الغفلة عن تحذر العقلاء، والسهو عن يقظة الأذكياء، وقد قال بعض الحكماء : انفرد بسرك ولا تودعه حازمًا فيزل، ولا جاهلًا فيخون . 
والثالثة : ما ارتكبه من الغدر، واستعمله من الخطر. وقال بعض الحكماء : سرُّك من دمك، فإذا تكلمت به فقد أرقته) [أدب الدنيا والدين] .

ضوابط في إفشاء السر :

قال الماوردي : (واعلم أن من الأسرار ما لا يستغنى فيه عن مطالعة صديق مساهم، واستشارة ناصح مسالم. فليختر العاقل لسرِّه أمينًا إن لم يجد إلى كتمه سبيلًا، وليتحرَّ في اختيار من يأتمنه عليه، ويستودعه إياه. فليس كلُّ من كان على الأموال أمينًا كان على الأسرار مؤتمنًا. والعفة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار؛ لأنَّ الإنسان قد يذيع سرَّ نفسه ببادرة لسانه، وسقط كلامه، ويشحُّ باليسير من ماله، حفظًا له وضنًّا به، ولا يرى ما أذاع من سرِّه كبيرًا في جنب ما حفظه من يسير ماله، مع عظم الضرر الداخل عليه. فمن أجل ذلك كان أمناء الأسرار أشد تعذرًا، وأقل وجودًا من أمناء الأموال. وكان حفظ المال أيسر من كتم الأسرار؛ لأنَّ أحراز الأموال منيعة، وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق) [أدب الدنيا والدين،للماوردى] .

أكثر من يذيع السر :

قال الجاحظ : (وأكثر ما يذيع أسرار الناس أهلوهم وعبيدهم، وحاشيتهم وصبيانهم، ومَن لهم عليهم اليد والسلطان. فالسرُّ الذي يودعه خليفة في عامل له يلحقه زينه وشينه، أحرى ألا يكتمه، وهذا سبيل كلِّ سرٍّ يستودعه الجلة والعظماء، ومن لا تبلغه العقوبة ولا تلحقه اللائمة .
وقال سليمان بن داود في حكمته : ليكن أصدقاؤك كثيرًا، وصاحب سرِّك واحدًا من ألف) [الرسائل الأدبية،للجاحظ] .

وصية في عدم إفشاء السر :

 وصية أُمامة بنت الحارث ابنتها أم إياس بنت عوف بن محلم الشيباني لما حان زفافها بعمرو بن حجر ملك كندة، وفيها : (فلا تعصينَّ له أمرًا، ولا تفشينَّ له سرًّا، فإنَّك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سرَّه لم تأمني غدره) [فقه السنة ،لسيد سابق] .

من أقوال الحكماء والبلغاء :

 

–  قال بعض الأدباء : (من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه) [لباب الآداب ،لأسامة بن منقذ] .

– وقال بعض البلغاء : ما أسرَّك؛ ما كتمت سرَّك) [لباب الآداب ،لأسامة بن منقذ] .
– وقال بعض الفصحاء : (ما لم تغيبه الأضالع، فهو مكشوف ضائع) [أدب الدنيا والدين،للماوردى] .
– وقال المأمون : (ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدم عليها : شرب السمِّ للتجربة، وإفشاء السرِّ إلى القرابة والحاسد وإن كان ثقة، وركوب البحر وإن كان فيه غنى) [نفحة اليمن،لأحمد الشروانى] .
– ويروى : (أصبر الناس من لا يفشي سرَّه إلى صديقه مخافة التقلُّب يومًا ما) [غذاء الألباب ،للسفارينى] . 
– وقال بعض الحكماء : (القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلٌّ منكم مفاتيح سرِّه) [غذاء الألباب ،للسفارينى] .
– وقَالَ بعض الحكماء : (من أفشى سرَّه كثر عليه المتآمرون) [تسهيل النظر وتعجيل الظفر،للماوردى].  

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .