الرئيسية ملفات ساخنة في أي سنة سيقضي المغرب على الرشوة؟

في أي سنة سيقضي المغرب على الرشوة؟

كتبه كتب في 17 أبريل 2018 - 5:12 م

محمد بنعزيز

دخل رجل مكتب تسجيل الولادات وقال للموظف المسئول: أريد تسجيل ولدي في دفتر الحالة المدينة.

الموظف : وما اسم ابنك؟

الرجل : أبو بكر.

الموظف: لا. يمنع عليّ تسجيل الأسماء المركبة.

أخرج الرجل 200 درهم ووضعها فوق ورقة ولادة الطفل في المستشفى فسأل  الموظف الرجل بابتسامة كبيرة:"هل تريد أن نسميه أبو بكر ونزيد رضي الله  عنه؟".

هذه نكتة مغربية عن الرشوة، حين تدفع تحصل على ما تريد حتى لو ناقض  القانون. ويتداول المغاربة نكتا كثيرة عن الرشوة. وهذه السخرية المريرة من  الفساد تسلية وانتقام أيضا. ومن ذلك التعجب لأن إحصاء السكان تجاهل طرح  سؤال جوهري: "كم من مرة دفعت الرشوة للحصول على حقك؟"

لا تصدقون النكت؟ طيب، هاكم الوقائع:

نشر صحفي مغاربي – أنس مزور – قصة محاولة إرشائه من طرف زعيم سياسي، لكن  الزعيم أكد أنه لم يحاول الإرشاء إلا لأن صحفيين آخرين قبلوا الهدية. عذر  لا لبس فيه. وفي هذه الأجواء نظم فرع النقابة الوطنية للصحافة المغربية  بالدار البيضاء، ندوة حول " الصحافة والإعلام السمعي البصري الإلكتروني  والرشوة". وقال رئيس الفرع أن الهدف هو تحصين الجسم الإعلامي من وباء  الرشوة ونددت الندوة بالصحفي الذي يضع كرامته في المزاد العلني ويخلط بين  العمل الصحفي والإشهار، وقد عدّدت توصيات الندوة أسباب هذه الوضعية وهي قوة  المال وتردي أوضاع المهنيين واللهث وراء الأظرفة والامتيازات والإتاوات  والبقع الأرضية الشاطئية وأوصت الندوة بضرورة فضح الذين وضعوا أنفسهم في  خدمة الفساد وتعهير مهنة الصحافة.

بعد أيام قليلة اختفى الموضوع من صفحات الجرائد لأن الجسم الإعلامي حساس  تجاه الظاهرة، لكن يبدو أننا في المغرب نستكشف منطقة بكرا، فقد جرت  العادة، ومازالت بالنظر إلى الصحفي كبطل… فهذه رشوة في قلب السلطة  الرابعة. وعلى العموم فالصحفيون حذرون جدا في الحديث عن الفساد بالتدقيق  لأن القضاء يطالبهم هم بإثباته، أي تتم مكافحة الفساد عبر قطع الأصبع الذي  يشير للمتهم. في انتظار تغير الوضع هاكم أشكال الرشوة حسب الصحف:

الرشوة النقدية هي أكثر أشكال الفساد انتشارا. وقد صور قناصة بالكاميرات  رجال شرطة ودرك يقبضون. التحقيق مع 25 دركيا في قضايا رشوة. هذه جرائم  الموظفين الصغار ويسهل إثباتها وهي تحتل الصفحات الأولى للجرائد. وهناك  الفساد في الصفقات العمومية. وفيه لا يظهر من قبض ولكن الأدلة تُعمي مثل  هذا: الأمطار تكشف شقوقا وتصدعات تهدد بناية مجلس المستشارين. كم عمر  البناية؟ ثلاث سنوات. ومثل هذه الحالة في الطرق والقناطر والمؤسسات  التعليمية و… وهناك فساد من نوع آخر: لجنة تفتيش بكلية آسفي تحقق في  تزوير النقط في شهادة الماستر. وبرلمانيون يتقاضون تعويضاتهم رغم اعتقالهم.  والتحقيق في الاستيلاء على عقار باستخدام هوية شخص ميت. ومتابعة موظف  بالسجن سرب مخدرات للسجناء. حاميها حراميها. وهناك سلوكات فساد تحتقر الناس  مثل وزير اكترى سيارة بأكثر من ثمن شرائها وآخر اشترى قنطار شكولاطة لأمه  من مال الوزارة…

 

في كل هذه الحالات لم تثر اخبار الصحف أي تغيير ويعلق المغاربة على  توالي وقائع بالقول "عفا الله عما سلف" وهي جملة قالها عبد الاله بنكيران  لاسترضاء مهربي الأموال للخارج واعتبرها المغاربة تشجيعا للفساد. تعقيبا  على تواتر هذا قال المحلل السياسي منار السليمي أن ما يبعثُ على القلق هُو  تحول المغرب إلى "دولة رخوة"، لا يهابها أحد، بحكم عدم خضوع المسئولين فيها  عن الفضائح وملفات الفساد للمحاكمة التي تبتُّ في أمرهم، كيْ لا يفلتُوا  من العقاب، علمًا أنَّ الدستُور يربطُ المسؤوليَّة بالمحاسبة.

 

تنبعث من هذه الرخاوة رائحة عفنة تتجاوز حدود البلد. اذ ذكر البنك  الدولي ان البيروقراطية عقبة أمام نمو الشركات في المغرب. البيروقراطية هي  عدم القدرة على التواصل الحي وإيجاد الحلول الخلاقة، وهي طبعا الإكتفاء  بالانتظار المكلف زمنيا وماديا. وكشفَ تقريرٍ لمركز التفكِير الأمريكِي ان  الأموَالُ تهرّب من المغرب نحو الخارج بصورةٍ متزايدةٍ وقد وصلتْ إلى عشرة  ملايِير دُولار ما بينَ 2003 وَ2012. يؤمن المهرب نفسه ويردد "الفلوس هي  رُكبك". من اين جاءت هذه الأموال المهربة؟

صنَّف تقرير حديث للبنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية  للتنمية، المغرب من ضمن أكثر عشرة دول اقتراضا في العالم سنة 2014. لتصبح  بذلك الدولة الأكثر مديونية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. تدخل  الأموال من الباب وتخرج من النافذة.

آخر حلقة في مسلسل الاستدانة والنهب والإرجاع ذكر رئيس الوزراء أن  تصريحات مهربي الأموال للخارج تزيد عن ملياري ونصف دولار. وقد صرحوا بها  مقابل وعد حكومي بعدم متابعتهم وفرض غرامات عليهم إن أرجعوا الأموال  لتخزينها في أبناك مغربية.

ولتطمئن نفسي عن مستقبل البلد سألت في باب قاعة سينما مناضلا نشيطا في  جمعية ترانسباريتي المغرب (الشفافية): في أي سنة سيقضي المغرب على الرشوة؟  نظر إلي باستغراب لهذا السؤال المُغرب في الغباء. أجاب: لست منجما. سألته  من جديد: وهل سيقضي المغرب على الرشوة؟ أجاب:

"هذا متعلق بهؤلاء" وأشار إلى المتفرجين الذين يغادرون القاعة.

يبدو سؤالي خاطئا لا وجود له. سؤال يفترض احتمالا بينما دعاة الشفافية  واثقون تماما أنه لا يوجد أي احتمال لقضاء المغرب على الرشوة المتجذرة في  لحم وعظم الإدارة. تم التطبيع مع الرشوة صارت هيكلية لا فيروسا أصاب النسق  الإداري. وللمغاربة تعابير راسخة في وصف الفساد: الأصبع الذي ألف لحس الصحن  لن يسقيم. من كانت جدته طباخة في العرس سيأكل اللحم. لابد لمن ألف جني  العسل من لحس أصابعه. من يلحس مرارا يشبع ويغتني و"يفيض الخير" عليه.

 

لهذا تواجه محاربة الرشوة عدة عوائق منها:

 

أولا لا يشعر الناس بوجود إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد. وينظر  لكل محاولة تحقيق كتصفية حساب أو مطاردة للأفاعي قد تقود لما هو غير متوقع.

 

ثانيا النظر السلبية لبعض رافعي شعار مكافحة الفساد. يبدون كأنهم يريدون  أن يكافحوا الفساد بعد أن اغتنوا به. ويشكل وجودهم طلقاء يتباهون بثرواتهم  إهانة لكل وطني غيور، مما يشكل عائقا أمام أية تعبئة وطنية لتحقيق نهضة  اقتصادية.

 

ثالثا يعطي المغاربة الرشوة، بفعل الضرورة والعادة أيضا، لا يتوقعون  قضاء مصالحهم تلقائيا، يرون أنه لابد من "الدهن"، في كثير من الإدارات  الفساد ضرورة للتسيير ومن "منشطات الإدارة" أي يحمّس الموظفين.

 

رابعا يتوهم مانح الرشوة الاضطرارية لشراء الحق أنها صدقة سيحصل الراشي المضطر أجرها في الآخرة.

 

خامسا، وهو العزاء الأهم لمقدم الرشوة، فهو واثق أن آخذ الرشوة لن ينجو.  بل سيصاب في نفسه وماله وولده. ويتجلى فساد الذرية في إدمان مخدرات وموت  مريع ومفاجئ ومرض مزمن لا علاج له… وليست هذه تمثلات شعبية فقط، بل ذكرها  ابن خلدون في مقدمته قائلا إن "في تعلق النفوس بمالها سر كبير في وباله  على من يأخذه مجانا" وأن الفاسد والمحتكر "تجتمع القوى النفسانية على  متابعته فيفسد ربحه". وطبعا فالمرتشي حسب التصور الشعبي سيهان في شيخوخته  وسيدخل جهنم. وهذه عاقبة المفسدين في الآخرة. المشكل أن حين سيحل هذا  العقاب لن ينفع خزينة الدولة وسيكون قد فات الأوان. فميزانية الدولة لا  تستطيع انتظار الانتقام من لصوص الشعب يوم القيامة.

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .